أحدث سقوط أو إسقاط العاصمة اليمنية صنعاء في أيدي ميليشيات جماعة الحوثيين التي تتخذ اسم «أنصار الله»، صدمة داخلية وإقليمية، وأربك الكثير من الحسابات في اليمن والمنطقة.
لكن، وبعيداً عن الصدمة الخارجية، وبالتركيز على الوضع الداخلي، فإن وجود مسلحي الجماعة في شوارع صنعاء يتصرفون تصرف عسكري المرور ومدير الدائرة والمسؤول المالي، وهم بملابسهم القبلية وزيهم التقليدي، وبتصرفاتهم التي كان نتيجتها احتلال المنشآت العامة ودخول المنشآت الخاصة، والتصرف فيها، ونهب الكثير من البيوت والمقرات الإعلامية والحزبية والخيرية، والسيطرة على المدارس والدخول إلى الجامعات والمرافق المدنية، كل ذلك جعل ردة الفعل تتبلور في حالة من الاحتقان الشعبي الذي يبدو أنه لا يزال في بداياته، مع توقعات بتزايده إن استمر الوضع الحالي على ما هو عليه.
ويخشى الكثيرون داخل اليمن وخارجه من أن تؤدي سيطرة الحوثيين على العاصمة إلى ردة فعل من قبل تنظيم «القاعدة» والجماعات المرتبطة به في البلاد.
ولم يخلف تنظيم «القاعدة» وذراعه في اليمن «أنصار الشريعة» التوقعات، إذ سرعان ما دخل على الخط، متوعداً الحوثيين بأن أشلاءهم سوف تتناثر ودماءهم سوف تنسكب، وهذه هي الحلقة المفرغة التي لا يريد أحـــد في داخل أو خارج اليمن أن تدخلها البلاد التي أنهكها الاستنزاف الأمني والاقتصادي سنوات طويلة.
وقد ذكرت مصادر محلية أن عناصر يعتقد انتماؤها لتنظيم «القاعدة» استهدفت تجمعاً للحوثيين في إحدى المستشفيات الواقعة في مديرية مجزر بمحافظة مأرب، ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى غير أن المصادر لم تحدد عددهم. وكان التنظيم قد نشر مسبقاً عبر حسابه على «تويتر» بياناً توعد من خلاله الحوثيين بحرب لا طاقة لهم بها. وحث البيان أهل السنة على التوحد وحمل السلاح لقتال الحوثيين «الروافض» محذراً إياهم في الوقت ذاته من مغبة ما وصفها «بالتحزبات الجاهلية».
وهنا يغترف تنظيم «القاعدة» من القاموس ذاته الذي يغترف منه دائماً في خطابه الموجه لخصومه على اختلاف درجات وإيديولوجيات ومواقف هؤلاء الخصوم.
وقبل عملية تنظيم «القاعدة» الأخيرة ضد الحوثيين، كان الصراع على أشده إعلامياً وميدانياً بين «أنصار الشريعة» القاعديين، و"أنصار الله" الحوثيين. وقد علل الحوثيون حروبهم المستمرة التي خاضوها منذ خروجهم من صعدة وحتى دخولهم صنعاء، بأنها موجهة ضد «الدواعش» وهو الاسم الذي يوصم به عادة المنتسبون إلى «القاعدة» وغيرهم من المقاتلين السنيين، حسب القاموس الإعلامي الذي وظفه ما بات يعرف بـ" تحالف الهلال الشيعي في المنطقة".
وتزداد مخاوف الصراع الطائفي في البلاد، رغم محاولات إنكار وجود أو احتمال وجود هذا الصراع، لان الطرفين لا يكفان عن الشحن كلاهما ضد الآخر.
وكما هو معروف، فإن اليمن يوجد بها مذهبان إسلاميان معروفان: الأول هو السني الشافعي والثاني هو الزيدي الشيعي الذي غالباً ما يعرف أتباعه بانهم سنة الشيعة وشيعة السنة، إذا ما تحدثنا عن الزيدية في صيغته التقليدية التي تجاورت مع الشافعية التي كانت مصطبغة بصبغة صوفية في البلاد.
وليست هناك بالطبع إحصائيات دقيقة لتحديد نسب الشوافع إلى الزيود في البلاد، غير أن هناك من يذهب إلى أن نسبة الزيود ما بين 25٪ و30٪ من عدد السكان الذين يشكل السنة الشافعية بقيتهم.
ومع هذا وبوجود غالبية سنية، فإن ما حدث في صنعاء قد يؤدي إلى تزايد الاحتقان الطائفي، وهو البيئة المناسبة لأية أعمال عنيفة قد تحدث بشكل أو بآخر ما لم يتم تدارك الخطأ الكبير الذي حصل بسيطرة مقاتلي الحوثيين على عاصمة البلاد التي تتحدث التقديرات عن أنه يعيش فيها نحو 3 ملايين من السكان من مختلف القبائل والاتجاهات السياسية والجهات الجغرافية والخلفيات المذهبية.
ويأمل المراقب ألا يحدث شيء كهذا، لكن الآمال ربما تتضاءل مع استمرار سيطرة مسلحي الحوثي على العاصمة، ومع تمددهم إلى بعض المناطق التي تفيد تقارير انهم أرسلوا إليها أعداداً متزايدة من مسلحيهم، في شرق البلاد حيث الجوف ومأرب المهمتان بسبب وجود احتياطي نفطي وغازي فيهما، وكذا مع وصول الحوثيين إلى الحديدة غرباً حيث الحلم الحوثي بميناء على سواحل البحر الأحمر، وربما التوسع جهة مضيق باب المندب جنوباً ليضمنوا السيطرة على الطريق الملاحي الدولي.
وبين تهور الحوثيين، وأطماعهم التي لا تحد، وبين انفلات تنظيم «القاعدة» يظل مصير اليمن معلقاً بين جماعتين مسلحتين متمردتين إحداهما منسوبة إلى الشريعة وتسمى «أنصار الشريعة» والأخرى منسوبة إلى الله وتسمى «أنصار الله».
القدس العربي
محمد جميح
أنصار الله وأنصار الشريعة: هل يفجران صراعاً طائفياً في اليمن؟ 1327