تمر الدول في مراحل شتى من عمرها بمأزق متعددة ومتفاوتة الشدة والحرج, منعطفات تطويها في صراع البقاء, تكاد في مرات عدة أن تهوي بها للقاع!.
الدولة من أهم أركانها الشعب والسلطة, وخلال ثورة الشباب السلمية حلم الشعب بنقلة نوعية لدولته اليمنية, وبعد الخروج من مأزق شتى وتجاوزنا لعقبات كؤود ووصولنا لمرسى مؤتمر الحوار قلنا بابتهاج: هذه بداية التصحيح لسير هذه الدولة المنخورة الأساس والمتهاوية الأركان.
كانت ثورة علّقت عليها فئات عريضة من الشعب أمالها, وكانت الكاشفة لعوار دولة اليمن, حيث أدرك الجميع خلالها وبعدها كم كان وضع الدولة مخزياً, وكيف كانت تدار أمور البلاد وتؤدى مهام الحكومة بأسلوب ارتجالي فئوي متزلف مصطنع للأعوان مؤجج للأحقاد مبعد للكفاءات, مقرب لأصحاب المصالح وكل مطبل ومزمر في مهرجان الدولة الراقصة على أشلاء أحلام الشعب.
كان الحكم السابق قائماً على سياسة افتعال الأزمات وتأجيج الصراعات وضرب هذا بذاك وتغييب روح العدالة وتأخير سطوة القضاء وخلط الأوراق وكل شيء لا يمت لمبادئ السياسة والحكم الرشيد بصلة, وبعد ما قطع الشعب مفاوز شاسعة أحرقه لهيب حرها وكواه لفح شؤمها, بدت لهم مخرجات الحوار كسارية سفينة نجاة ترفرف من بعيد, ولكم ابتهجت نفوسنا وتألقت أرواحنا فرحاً بها , وكم بنينا من آمال عليها, وعوّلنا بعد ثقتنا بالله تعالى عليها في دفع سفينة اليمن لبر النجاة قبل أن تغرق وتقذف بركابها للأعاصير المهلكة.. لكن هيهات.. ها نحنذا نعود لنقطع صحارٍ ممدودة نحو حلم يأبى إلا التباعد عن واقع أمة مصابة بحكم متهاوٍ وسلطة غائبة وحماية ضعيفة وسيادة مسلوبة وحكمة تكاد تكون منعدمة وطوائف متأسلمة تتزين بألوان شتى من الأهواء والمصالح المتلبسة بلباس الراهب الكاذب!.
لقد حلّ سخط الرب جلّ وعلا على اليمن وأهله بسبب كل هذه الفوضى والتآمر والتنافر والتناحر والاقتتال والتعصب والجهل المخيم على أركانها جميعاً- شعباً وحكومةً-..
فتباً لشعب ليس له منظومة قيم عليا تثبّته على الحق فلا تستهويه شهوة ولا تغويه دعوة منمقة كاذبة, وتباً لدولة لا تعرف من السياسة سوى اسمها ولا تدرك من أبجديات الحكم الرشيد سوى حروفاً ترددها لتخدر بها أحلام البسطاء!.
لقد سئمنا كل ما يجري في هذه البلاد التي كانت يوماً ما بلدة طيبة..
يجب على شعب اليمن الذي أضحى وقوداً لكل هذه المعارك الصغيرة, ومنفّذا للمشاريع الخاصة أن يفيق من حمقه قبل فوات الأوان, وليدرك بأن السفينة على وشك الغرق, وأن قوارب النجاة محدودة , سيستقلها أهل فوق وسيذهب البقية لمهالك الردى ولن ينفع المتحامقون بعد ذلك الندم!.
نبيلة الوليدي
سقوط دولة اللا دولة !! 1168