الجدِّية في وقت الضياع هي عين الفشل ونتيجة للسياسات الخاطئة والمؤسسة على أوهام مشاريع من الصعب تنفيذها في ظل واقع معقَّد كما هو الحال مع سياسات دول مجلس التعاون الخليجي مع بوابة أمنهم واستقرارهم اليمن وليس مبالغاً فيه أن توصف تلك السياسات بالمنبطحة والخالية من أي فتات يمكن الارتكاز عليه, لاسيما في ظل الوضع الراهن والأحداث التي تشهدها الساحة اليمنية في وقتها الحالي والتي تتعارض تماماً مع زوايا المنطقة التي تسعى من خلالها دول الخليج إلى واقع مغاير تماماً للواقع الذي فرضته مليشيا الحوثي المسلحة بتكتيك دقيق ودعم متكامل من أطراف عديدة وأبرزها بقايا نظام صالح العميق ودون أي ردة فعل حقيقه لمجلس التعاون بشأن ما جرى وكأن لعبة سياسية تُدار للمشروع ذاته وتهدف إلى مقايضة صنعاء بدمشق بين الرياض وطهران كما أفصحت عن ذلك بعض وسائل الإعلام وتهدف من خلاله المملكة إلى جعل الحوثيين يفرضون ما يشبه السيطرة بدليل تواجدهم المسلح بكافة المباني الحكومية والسيادية في قلب صنعاء وكذلك تأثيرهم في اتخاذ القرار السياسي وكان آخرها رفضهم بن مبارك لرئاسة الحكومة ومدى رفضهم واقعاً مغايراً كانوا يهدفون إلى الوصول إليه وقد وصلوا بتسهيل من الدولة اليمنية والتخطيط الخليجي لإظهار الصورة بأن أتباع إيران تمكَّنوا من صنعاء, ما يجعل الرياض وبمساندة من المجتمع الدولي يسعون إلى فرض واقع آخر بسوريا عبر التحالف الدولي إذا لم تُجدِ الدبلوماسية تقدماً.
كل ما سبق الحديث عنه يأتي في إطار التحليل المبني على الواقع المُعاش في صنعاء وإن كان من أهداف المملكة القضاء على من يعتبرون الجناح العسكري لحزب الإصلاح والمتمثل في اللواء/ محسن وفرقته المدرعة وكذلك كسر البؤر التي تدعمه مثل أبناء الشيخ عبدالله الأحمر وقبائلهم؛ لكننا حينما شاهدنا انتشار الحوثيين بعد الإجهاز على مقر الفرقة بساعات وفي نقاط معدودة ومحددة أدركنا ان ثمة مشروعاً تتم بلورته بخطوات محدودة بينما كان بإمكان الجيش اليمني صد التحركات الحوثية المسلحة وعدم السماح لها بدخول صنعاء بالسلاح وإن تطلَّب الأمر أن تصل الأمور نحو أي سيناريو, فتلك هي مهمة الجيش اليمني وأي سيناريو ربما لن يحصل أكثر واكبر ممَّا هو حاصل اليوم بالرغم من أن الجيش اليمني من أبرز جيوش الدفاع في المنطقة وإن لم يستطع بلوغ مهماته كان بإمكان الرئيس هادي الخروج إلى العالم وإلى الشعب اليمني بمؤتمر صحفي يؤكد فيه عدم القدرة على صد تقدُّم الحوثيين, حينها سيكون للشعب اليمني قراره الخاص وكذلك المجتمع الدولي والخليج, كل هذا بالإمكان أن يكون في حال كانت الأحداث حقيقية وليست غامضة كما هو الحال وكأن الرئيس السابق يمارس السلطات ويتحكم في بعض ألوية الجيش خفية مقابل القضاء الكامل على خصومه في مشهد دراماتيكي ويخفيه الرئيس هادي على أمل أن لا تخرج الأمور عن السيطرة فيترك الرئيس صالح يقضي أغراضه دون إيجاد مصادمات معه لأن الرئيس هادي يدرك مدى الحقد الذي يحمله صالح على خصومه فلم يحرك ساكناً إزاء اقتحام الحوثيين لصنعاء ومشاهد العبث والسلب والنهب التي مارسوها لأنه يعلم حقيقتها ومضمونها وأهدافها حيث لم تقتصر على الجلوس على كرسي اللواء/ محسن والبطش بفرقته المدرعة الأولى وكذلك الدخول إلى غرفة نوم القيادي في الإصلاح محمد قحطان.
ومن منطلق آخر وفي كل التحليلات يجب أن ندرك واقعاً على الأرض لا لبس فيه وهو التقدم المملوء بالمكاسب للحوثي نحو مشروعه وأهدافه وإن كان يمارس لعبة سياسية مع الأطراف المذكورة سابقاً؛ لكن لا يمكن أن تخفى أهداف التقدم والمكاسب الثمينة التي حققها الحوثي من خلال ما جرى خصوصاً التأثير البالغ لدى كثير من اليمنيين وانضمامهم نحو مشروعه وكذلك الترسانة الضخمة من السلاح التي استولت عليها الجماعة في عمران وخصوصاً اللواء 310 بكل انواع السلاح والعتاد الحربي وكذلك السلاح التابع للفرقة المدرعة الأولى والوية أخرى وهي مكاسب ثمينة جداً لا يمكن للحوثي الحصول عليها لولا الخلاف الجوهري بين المكونات السياسية الذي من خلاله تمكُّن الحوثي من قضاء مهمته والتي لم يكن الحوثيون ليحصلوا عليها حتى يتطاول الناس في البنيان وتلد الأمة ربتها.
لاشك أن تلك الأسباب والعوامل ومتغيرات التحالفات والتجاذبات السياسية في المنطقة في الداخل والخارج مكَّنت للحوثيين وفتحت الطريق أمامهم للعبور بمستقبل اليمن نحو المجهول في ظل التأثير الذي بدأت تمارسه القاعدة في اليمن بينما كان الأحرى أن لا يتم استخدام الحوثيين لأهداف معينه مع المعرفة بخطرهم وأهدافهم وجدِّيتهم في تحركاتهم وتبعيتهم المطلقة للقرار الإيراني, فما حدث اليوم في صنعاء وإن كان تحت السيطرة فإنه يؤسس لمشروع حقيقي خلال السنوات المقبلة؛ فلذلك أصبحت المسألة تحتاج إلى الجدِّية من جميع الأطراف خصوصاً قوى النفوذ والتأثير لأن كل يوم تحت هذه الوضعية يستفيد منه الحوثي ويتمكَّن من خلاله بشكل أعمق نحو أهدافه ومشاريعه ومن يعتقد بأن الصفقات السياسية تُجدي نفعاً مع الحوثيين الذراع الإيراني المسلح في اليمن فإنه واهم طالما وأن قيادات الجماعة تتلون في اليوم والليلة أكثر من لون في سبيل مقاصدها التي لا تتماشى إلا مع المتغيرات
بأحداث صنعاء أو ما يشابهها من تصعيرٍ للخد الخليجي, تسلمت طهران مفاتيح بغداد فتحولت إلى جحيم وها هي اليوم تسعى لاستلام مفاتيح صنعاء لتتحول أيضاً إلى جحيم ولكن ماذا بعد صنعاء؟! .. والسلام.
عمر أحمد عبدالله
اليمن ..على خُطى العراق ..!! 1149