الهروب إحدى أساليب ووسائل الدفاع عن النفس ؛ وهو يُعد وسيلة متاحة يستسهلها كثيرٌ من الناس ويفضلونها على وسيلة المواجهة التي قد تكون مكلفة للغاية !
قد نتخذ قرار الهروب وبوعي تام كخطوة تكتيكية لخلق فرصة أفضل , أو كسباً للوقت للحصول على مزيد من القوة عند الانطلاقة القادمة ؛ بل إن جميعنا يحتاج أحيانا إلأى الهروب من معمعة الحياة والانزواء بعيداً عن معتركاتها المرهقة والتلذذ باستراحة المحارب ؛ لكن المعضلة تكمُن في توقيت قرار الهروب, هنا تتجلى الفوارق بين الشخص العادي والشخص غير العادي !
ثم ماذا عندما يكون قرار الهروب متعلقاً بمصير آخرين؟
وماذا إن كان هروباً فكرياً عقدياً , أو خفياً مخادعا ؟؟
هنا يصبح موقف اتخاذه حرجاً, ودقيقاً للغاية ..!
والمؤسف حقاً هو عندما نفعله تحت وطأة ضغطٍ معين , ودونما وعي تام !
الهروب في الخطاب التأثيري عند النخبة لون آخر من ألوان الهروب ..!
فثمَّة من يهرب من واقع الأمة المؤلم للماضي البعيد ليغترف من أمجاد السابقين طاقة وهمية تبقيه قادرا على احترام ذاته الشخصية والأممية , وثمة من يهرب نحو المستقبل ليبيع للناس الآمال والأحلام الكاذبة والتي ليس لها في أرض الواقع أثر أو نتيجة ملموسة النفع !
أن يهرب العوام إلى متاهات الإدمان , والمتع الآنية ليجدوا فيها ملاذاً من إحباط واقعهم المر فأمر مألوف ومتكرر عبر الأزمان ؛ لكن هروب النخب هو الأمر الذي يستحق وقوفنا أمامه وتأمُّله ملياً ..!
لماذا تهرب النخب ؟ ولماذا يستعذبون التيه في فراغات أوهام الماضي الذي لن يرجع أبداً والمستقبل الذي لا يملكون أدواته حالياً؟ وهل هذه إحدى وسائل الدفاع الذاتية للبقاء في قائمة الشخصيات المحترمة لذاوتها ؟
أم تُراهم يتشبَّثون ببضاعة تجذب نحوهم الناس و تبقيهم على قمم المنابر , وهرم الجماعات ؟
ربما هي خدعة نفسية لإشباع رغباتهم في تضخيم ذواتهم وإلباسها حُللاً من ماضٍ مندثر, ومستقبل غير مُتاح ؟
وماذا عن الناس الذين يصغون إليهم, هل يدركون حقيقة الخِدَع الكبرى التي تمارس عليهم , أم أنهم هم أيضا يستسهلون الدوران في هذه الفراغات المخدرة للهمم والمغيبة للأمة عن الفاعلية والإنجاز وتحمُّل مسؤولية التصحيح للمسار والعودة إلى الطريق القويم ؟ وهل كل هذا العبث سيحيي مَواتَ الأمة ويعيدها إلى دور الشهود الحضاري الذي يليق بها كأمة رسالة ودين يدعو لإعمار الأرض بالأفعال لا بالأقوال وبالتخطيط المحكم والعزيمة الماضية وليس بالتمني على الله , والهروب نحو اللا شيء ؟!
