بنظرة شاملة, ماسحة لأوضاع الأمة العربية, يرى الناقد وبجلاء هبوطها البشري المروع المتمثل في أقبح صور التدني الحضاري, انحطاط مخز ألبسها لباس الذلة والمهانة وحشرها في ذيل قائمة التأخر الإنساني, إنها تجاهر للجميع بحال مزر ليس له سابقة في تاريخها الحديث بعد اختيارها حاملة لرسالة النور ومناصرة للنبي الخاتم محمد " صلى الله عليه وسلم "!

حكمة الله التامة اقتضت لها هذا التشريف, وهو اصطفاء وتكريم من القائل سبحانه وتعالى:

 " الله أعلم حيث يجعل رسالته .." !

فما بالها تنزع عنها تاج الكرامة وتستبدله بطوق العبودية والمهانة والتبعية والتأكل الداخلي؟

بإمكان كل أحد تحميل شماعة المؤامرة وزر هذا التردي والتدني الحضاري والإنساني الذي سبغ الأمة العربية بصبغة سوداء معيبة؛ لكن العدل والحياد يلزم كل ذي عقل الكشف عن جوانب أخرى هي أشد تأثيرا في صناعة هذا الواقع المؤلم لأمة العرب!

نظرية المؤامرة تقرر بأنها مؤامرة ضد الإسلام والواقع يشهد بنهوض دول وأمم مسلمة من غير العرب ونجاتها من خيوط هذه المؤامرة!

يبدو أنه قد صدق في أمة العرب قول الشاعر:

نعيب زماننا والعيب فينا @ وما لزماننا عيب سوانا!

من حكمة الخالق أنه وضع سننا كونية وخلقية لا تتغير؛ تعد دستورا في قوانين الرفعة والتدني الحضاري للأمم عبر تاريخ الإنسانية الطويل, وحتى قبل ظهور الإسلام على يد محمد " صلى الله عليه وسلم"!

ويقول الكواكبي في هذا الشأن:

فإذا لم تحسن الأمة سياسة نفسها أذلها الله لأمة أخرى تحكمها, كما تفعل الشرائع بإقامة وصيا على القاصر أو السفيه , وهذه حكمة ؛ ومتى بلغت الأمة رشدها استرجعت عزها وهذا عدل..

" إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون"!

والأمة العربية غدت أمام العالم كصبي شكس متنمر فوضوي يقلق الأمن العالمي, فهي وفق حكمة الله وسنته في خلقه واقعة تحت وصاية الأرشد والأقوى حتى وإن لم يكن مسلما!

ومسوغ لزوم هذه الوصاية استيطان العرب لمنابع النفط, ووجودهم على معابر دولية استراتيجية !

والأمة اليمنية مثال مصغر للأمة العربية المنحطة حضاريا وخلقيا؛ وها هي ذا تتجرع غصص الوصاية من الأخرق القريب والأقسى البعيد..!

ترى كم نحتاج من الزمن, واللطمات الموجعة لنعود إلى رشدنا ونستقل بزمام مصائرنا؟

وماذا يلزمنا من أجل يقظة حقيقية لاسترداد مكانتنا التي أضعناها بقبيح فعالنا الجمعية والفردية, وتردي أخلاقنا وطيشنا وجهالتنا المركبة ؟!