سنظل نتمسك بأي خيط يحفظ السلم والأمان ولو كان واهناً، وربما رأىٰ البعض أن لا أمل في اليمن على المدى المنظور؛ لأن ما يجري على أرض الواقع لا يبشر بالخير، بل ينذر بمخاطر تتكاثر، وأزمات تتعقّـد، ومشكلات تتفاقم، وصراعات تنبت صراعات أعمق!!
مؤتمر الحوار أخرج لنا انفلاتاً وذهاباً لهيبة الدولة، واتفاق السلم والشراكة رافقه وتبعته حروب ومظالم وانتهاكات ما زالت حتى اليوم، ولم نلمس من الشراكة غير كسر شرف الدولة والعدوان على الحقوق والممتلكات العامة والخاصة، وكل هذا يؤسس للثارات والانتقام ولا يدعو للتسامح والوئام...
وهذا الأسبوع تم التوقيع على إعلان بروكسل للمصالحة الوطنية؛ وهو إضافة تعضٰد مخرجات الحوار الوطني ولا تتعارض مع الاتفاقات السابقة، ويأتي في سياق محاولات إيقاف العنف والحروب، ويسعىٰ للحيلولة من دون انهيار الدولة، وقد سبقته جهود اللجنة الشعبية للتقريب بين المكونات السياسية التي أصدرت الأسبوع الماضي بياناً رائعاً جامعاً ومانعاً، وتأتي هذه الجهود في إطار سباق مع الزمن لمنع الإنزلاق نحو حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، فالمشهد المنظور يعطي مؤشرات مخيفة للانهيار وغلبة شريعة الغاب، وهو المسار الذي يجب أن يسعىٰ العقلاء كي يتوقف ولا يُسمح له بالتغّول أوتثبيت أقدامه على الأرض.
لم يْـعُـد بالإمكان إنكار توسع دائرة الفوضىٰ في العاصمة والمحافظات وفي مؤسسات الدولة، مع تمدد الحاضنة الاجتماعية للجماعات المسلحة كنتيجة طبيعية للفعل ورد الفعل، كل ذلك يدعو للملمة الصف اليمني ومداواة الجراح وإيقاف النزيف، ومن ثم السير نحو بناء دولة القانون التي يأمن الجميع في بساط عدالتها، فالدولة مهما كانت ضعيفة فإنها تظل أرحم من قانون البطش والقوة الذي لا يعني سوىٰ ترك الديار بلاقع؛ ضعيفة البنيان، ممزقة الأوصال، خائرة القوىٰ، كسيرة الجناح!!
حتى الآن لا نجد مبرراً منطقياً لتخلي الدولة عامة والقوات المسلحة والأمن خاصة عن الحد الأدنىٰ من واجباتها في حفظ أمن المواطن واستقرار الوطن، وترك الحبل على الغارب؛ وكأنها تدعو كل الأحزاب لتتحول إلى ميليشيات مسلحة لتدافع عن نفسها وتحافظ على حقها في الحياة بعد أن اختارت الدولة الانحياز للفوضىٰ والخضوع للقوة، أو التماهي مع مصالح الخارج على حساب الداخل، وعدم قيامها بالحد الأدنىٰ من تحمل المسؤولية..
الأموال والممتلكات تُستباح، والاقتتال مستعرّ، والاغتيالات مستمرة وآخرها استشهاد الدكتور محمد عبدالملك المتوكل رحمه الله الذي ظل يناضل بقلمه وينافح برأيه ويستقوي بمنطقه؛ لكنه يُقتل برصاص الغدر على الرغم أنه قد جاوز السبعين من العمر، ما يشير إلى إنحدار فضيع في منظومة القيم التي بذهابها نخسر كل شيء في وطننا الذي تعايش فيه الآباء والأجداد على قاعدة الإخاء والاحترام المتبادل.
نلمس اليوم غلياناً عاماً، ونحسّ بنار تحت الرماد: فشل في المسار السياسي، وانتقام غير مبرر من الخصوم، وعجز فاضح عند القوىٰ السياسية في الانتصار لمبادئ العدالة والحرية والحقوق، ومجاملة ومباركة من المجتمع الدولي للعنف والقوة، وصمت أو عجز من سلطات الدولة المترهّلة وعدم توجيه الإمكانات والقدرات المتبقية للمحافظة على الأمن والسلم الاجتماعي!!
الجميع في الوطن يخسر، لكن الإصلاح - يدفع أكثر من غيره -أثماناً باهضة من أفراده ومقراته وممتلكاته وحقوقه لأنه يؤثر السلامة ويحرص على الأمن والاستقرار، ويبتعد عن العنف، غير أن الأحداث تفرض عليه أن يعيد النظر في خططه وبرامجه وقياداته، وهو يختزن من الطاقات والإمكانات والقيادات الشابّة والمؤهلة ما يجعله قادراً على الفعل، عصياً على التهميش، مبدعاً في المبادأة، فقط عليه أن يقوم بالمراجعة ويعترف بالأخطاء ويعزم على إصلاحها.
التنازلات التي يقدمها الإصلاح يحسبها البعض عليه وليست في رصيده، والحق أن حسن النوايا لا تكفي وحدها، والحقوق تُـنتَـزع ولا تُستجدىٰ، وعلى الإصلاحيين أن يمتلكوا الشجاعة للتغيير في وسائلهم وبرامجهم وقياداتهم، وهذا لا يعني التّـحَـسُّـر والتنديم، ولا البكاء على الأطلال، ولا التنكر لجهود السابقين، وإنما البناء عليها وتجنب سلبياتها، عليهم أن يثقوا بالله ويبذلوا الوسع ويعيدوا النظر في التعامل مع الداخل والخارج وبما يحافظ على أمن الوطن واستقراره، ويحول من دون استضعافهم وإهدار كرامتهم أومصادرة حقوقهم، فسنن الله غالبة ومن أخذ بها ناله منها نصيب، وصحبه التوفيق.
" كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ".
من صفحته على الفيس بوك
زيد الشامي
حتى لا يحدث الانهيار 1351