في اليمن فقط أجمل صور الحضارة الإنسانية الغابرة, في مدرجاتها الزراعية حيث تتحول قصائد الحب إلى سنابل, في خناجرها وجنابيها التي تحكي الجزء الأخير من حكاية صراع الرجل مع ذاته, في صناديق النساء الخشبية ذات النكهة العابقة بالعود والصندل وأوراق الريحان في باقة الفل والكادي ومشموم الجنوب, في قهوة البن المخاوي, في أرغفة الخبز البلدي على أرصفة المدينة, في قصر الحجر الذي بناه إنسان الصخر, في جسر شهارة حيث يعبر الأقوياء فقط عبر بوابة التاريخ.
في قلعة القاهرة عندما كان أسلافنا يسامرون القمر, في باب اليمن حيث يجتمع التراث بالعراقة في لقاء حميم بين عاشقين, في لون العقيق اليماني حين يسكن الشفق قطع الفضة المُطعّمة بالجمال, في نكهة التبغ والتمباك والفوفل, في صنعاء القديمة تلك المحمية الحجرية التي تناضل من أجل البقاء, في بيوت القش والقصب على سواحل تهامة, في طبق العصيدة بسبغ الأمهات اللذيذ, في مذاق الثريد باللحم ونكهة السمن البلدي, في خبز التنور الذي تصنعه الزوجات المحبات مع حرض منحوتٍ من الصخر يمتلئ بالسلتة الساخنة التي لا تطهى إلا في اليمن, في رقائق اللحوح التي تعجن من شتى حبوب الأرض لتعوم بعدها في بحيرة من اللبن الرائب وحبات الرمان وشطة اليمن الخضراء والحمراء, في أقدم ناطحات سحاب تحتضنها شبام ومناخة, في أعلى بركة ماء معلقة على جبال دمت.
في أسواق تعز القديمة خلف أسوار الباب الكبير, في مسجدها الأثري الموشى بنمنمات الزمن الجميل..
في اليمن فقط يمكنك أن تجلس إلى البساطة وتحاور التواضع وتتحدث إلى الصغار والكبار دون أي حواجز, في اليمن فقط تنام الأسرار على قارعة الطريق حيث لا يمكن أن يخفي الناس عن بعضهم شيئاً من الحزن وبعضاً من السعادة, ألا ترى أن أعراسنا تنصب خيامها على الطريق ليأكل القريب والبعيد, الغني والفقير على مائدة واحدة ويتكئون بعدها على فراش واحد حيث تشتعل المجالس بنيران السياسة وجحيم الأحزاب والانتماءات الطائفية.. لكن الجميع يبقى محباً للآخر؛ فقط في اليمن..
ألطاف الأهدل
فقط في اليمن!! 1357