قبل عقود قليلة من الزمن كان واقع المهمشين في اليمن يختلف بعض الشيء عن واقعهم اليوم من حيث التوجه الفكري والبناء الديموجرافي، فهم اليوم شريحة اجتماعية متكاملة التوصيف بعد أن كانت مجرد أقليات مهمشة لا للكاد تؤثر في البنية المجتمعية بشكل أو بآخر، وهي اليوم إحدى الأوراق السياسية والكروت الديموقراطية منزوعة الحصانة حتى إشعار آخر!.
ومن المشاكل المعقدة أمام منظمات المجتمع المدني بالدرجة الأولى- كأداة استثنائية لدفع الحرج عن جهات حكومية مسؤولة ـ من المشاكل المعقدة أمامها هي إحداث الدمج الاجتماعي بين هذه الشريحة والمجتمع بكل شرائحه المختلفة.. والحق يُقال أن مسألة الدمج هذه تطلبت ولا زالت تتطلب وضع خطط واستراتيجيات جادة وحكيمة لتنفيذها، ذلك أن الأمر يتعلق بأنماط سلوكية ومبادئ أخلاقية وأسس تربوية ودينية تختلف لدى هذه الشريحة مع سواها من شرائح المجتمع الأخرى.
إن التوعية المجتمعية للمجتمع قد لا تأخذ منحى مغايراً في هذا النطاق، لكنها ستبوء بالفشل إذا ما تم توعية المهمشين أنفسهم حول ماهية الدمج والأسس التي يُبنى عليها ليكون له آثارهُ الإيجابية على المهمشين أنفسهم قبل كل شيء, والأمر ليس بتلك البساطة التي يراها البعض في مسألة التواصل الفكري بين المهمشين وسواهم من أبناء المجتمع، بل إن الحقيقة المنطقية لإحداث الدمج هي إلغاء الحواجز العُرفية بينهم وبين الآخرين من أبناء المجتمع ذلك لأن ثقافة عرقية تقضي بضرورة تجنب الاختلاط بهذه الشريحة لدرجة أن يكون لهم وظائف وأنشطة اجتماعية حقيرة أو هكذا يراها الناس في مجتمع لا زال يؤمن بمبادئ عرقية مختلفة تبدأ بالسيادة (السادة) وتمر بالمشايخ والقبائل والأعيان وما دونهم من عرقيات وأقليات.
إن من أكثر المعوقات أمام مسألة دمج المهمشين هي الثقافة السائدة لديهم في الجانب الديني والأخلاقي والانتمائي والسلوكي بشكلٍ عام.
فالمهمشون يفتقرون للوعي الديني المتعلق بالعبادات والشعائر الدينية لأنهم لا يحصلون على توعية وتثقيف ديني ملائم من قبل الجهات المسؤولة عن التوعية الدينية، كما أن لديهم الكثير من التجاوزات الأخلاقية، نتيجة لانعدام الوعي في أوساطهم بخطورتها, فتسريح الفتيات الصغيرات لغرض التسول وإقحامهن في علاقات شائنة مثلاً بقصد الكسب يُعد من الأمور المرفوضة شرعاً وعرفاً وأخلاقاً في مجتمعنا اليمني لكنهُ يحدث في أوساط المهمشين بشكلٍ أكبر من حدوثه في أوساط اجتماعية محلية أخرى, كما أن من تلك المعوقات أن لدى هؤلاء الناس ـ المهمشين ـ شعوراً بالدونية وعدم الانتماء للمجتمع، وربما كان بقاؤهم ضمن "محاوٍ" مغلقة عن المجتمع سبب وجيه لعدم حدوث توافق أو تواؤم أو محاكاة أخلاقية مع أفراد المجتمع الآخرين.
وكمعوق أساسي أيضاً فإن سلوكيات خاصة بالنظافة والنظام بشكلٍ عام قد تسبب حرجاً كبيراً لمن يتبنون قضية الدمج الاجتماعي للمهمشين ويدعون إليها, فمعايير النظافة الشخصية والبيئية لا تزال متدنية جداً لدى الطبقات المهمشة، ولا تزال بعض الممارسات الخاطئة كالتبرز في العراء وعدم الحرص على غسيل اليدين في الأوقات الحرجة وغير الحرجة وإهمال النظافة الشخصية بشكلٍ كبير وملحوظ جداً.. كل ذلك لا زال سمة من سمات هذه الشريحة المهمشة وطريقة من طرق تعاطيها مع البيئة المحيطة بها ومع ذاتها المفقودة طوعاً أو كرهاً!.
إن توعية هذه الشريحة حول مهارات حياتية معنية قد يعزز من قدرتها على الاندماج مع سائر شرائح المجتمع من حولها، وفي ذات اللحظة فإن توعية المجتمع يتقبل هذه الشريحة سيكون سهلاً متى ما وجدت جسور التواصل الطبيعية بين البشر، كالألفة والحب والاحترام.. وجسور التواصل تلك قد لا يمكن إنشاؤها ما لم يكن بين هذه الشريحة وسواها من شرائح المجتمع الأخرى مساحة مشتركة من المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية السلوكية..
يجب أن نشكر أولئك الإنسانيين الذين يحاولون خلق مظلة إنسانية يجتمع دونها الجميع بلا حدود أو قيود أو حواجز أو مسوغات خاوية من المنطقية، كما يجب أن نحاول ترتيب أوراقنا الاجتماعية حتى نصل إلى مرحلة وعي كامل بأوضاع اجتماعية ينبغي أن تتغير وبشكلٍ سريع.
ألطاف الأهدل
المهمشون مُدمجون حتى إشعارٍ آخر! 1276