لم يكن التدخل الأجنبي والوصاية الخارجية أمراً مستحدثاً أو غريباً علينا حتى يثير حفيظة البعض، فسماؤنا كانت وما زالت مسرحاً لوأد الكرامة وذبح السيادة وبَرنا حقلاً لتجارب تجار الحروب وبحرنا ومنافذنا البقرة الحلوب التي يعتمد عليها الغاصبون، ومع ذلك لا يمكن لنا بحال من الأحوال أن نقرأ أو نتحدث عن الوصاية الأجنبية والتدخل الخارجي في أي بلد معزل عن تأريخ هذا التدخل.
منذ أن أسقطت الخلافة الإسلامية في 1924م وبعد الحرب العالمية الأولى، البلدان العربية التي كانت تخضع لدولة الخلافة العثمانية أصبحت مقسمة إلى عدة دويلات حسب تقسيم بريطانيا وفرنسا في اتفاقية (سايكس – بيكو)عام 1916م وحينها بدأ الاحتلال الصليبي يمارس نفوذه في المنطقة، وبالرغم من مسيرة المقاومة النضالية والدماء الذي أريق من أجل دحر المحتلين في سائر الأقطار العربية إلا أن دول الاحتلال لم تذهب إلا بعد ما تم تهيئت الأجواء لبقائهم الفعلي وذلك عن طريق اختلاق حكومات وظيفية جاءت على متن الدبابات الأجنبية.
ذهب الاستعمار وبقي الخراب والدمار، ذهب المحتل بعدته وعتاده وبصورته الشكلية من هذه البلدان وكانت آخر دولة عربية تحررت شكليا هي الجزائر في عام 1962 م وخرج الانتداب البريطاني من جنوب اليمن في عام 1963م أما فلسطلين وبيت المقدس فقد أنتهى الانتداب البريطاني عليها عام 1948 ، لتكون البداية الإسرائيلية.
خرج المحتلون وبقيت مصالحهم وظلت أعينهم مفتوحة على الحكومات الوظيفية ترقب سيرها ورعاية مصالحها، وما يدل على ذلك ما قاله الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في لقاء من الذاكرة لقناة العربية عن صدام حسين رئيس، العراق السابق "اتصلت عليه وقلت له المجتمع الدولي لن يسمح لك أن تقيم دولة ذات سيادة فقال لي نحن مؤهلون أنفسنا لحرب نووية" لذلك كانت نهاية صدام المؤلمة والمعروفة للجميع وما ذلك إلا لأنه بدء يتمرد على الحلفاء وبدأ بتصنيع دبابات تضاهي، الدبابات التي أوصلته إلى سدة الحكم فكان ضحية هذا التمرد وعبرة لمن تسول له نفسه أن يتحرر من الوصاية.
جاء الربيع العربي ليزيد الأمور جلاءً ووضوحا حيث تم الانقلاب على إرادة الشعوب وظهر الوجه الكالح لمن لايزال عنده غبش بالغيرة الأجنبية على الحكومات الوظيفية والتحيز معها ضد الشعوب المغلوبة على أمرها.
هذا شأن الوصاية الأجنبية في المنطقة عموماً أما في اليمن صار التدخل الأجنبي أشبه بسوق موسمي تعرض فيه التغولات الخارجية وكل مكون أو فئة يختار ما يناسبه ويخدمه في إلحاق الضرر بخصمه ويتفاعل معه إعلامياً وحقوقياً وفي كل الجوانب فإذا ما شملته الوصاية بالضرر شن عليها هجوماً وجيش الجيوش ضدها.
وبقدر ما يمتلك الناس من الثوابت سواء الدينية أو الوطنية أو حتى القومية تجد التفاوت في الحكم على الوصاية والتدخل الخارجي، لذا نشهد ازدواجية كبيرة في التعامل معها فمثلا خرجت الحشود الكبيرة في ميدان التحرير رافعة شعار رفض الوصاية والتدخل الخارجي وهي ممزوجة بشعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل، وذلك بعد اجتماع لجنة العقوبات في مجلس الأمن حيث تم تسريب بعض الأخبار عن نية فرض عقوبة على الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح وترحيله خارج البلد.
يأتي هذا في الوقت الذي يقف الطيران الأمريكي جنب إلى جنب مع المليشيات المسلحة لقتل أبناء الشعب اليمني سواء في شبوة أو حضرموت وأبين ورداع وإب، بل أن صالح نفسه حينما قتلت الطائرات الأمريكية المواطن اليمني أنور العولقي في 30 سبتمبر 2011م في مقابلة له على قناة 24 فرنس عندما سئل عن مقتله جات من الجو شو نعمل لها!"
بل لماذا لم تخرج هذه الجماهير وهي ترى الجيش والأمن في اليمن وهما يتحركان خارج إطار مصلحة الشعب ففي الوقت الذي يحتاجه بها الشعب يكون منقسماً ومترهل ويوم يكون وقوفه لصالح قوى أجنبية وخارجية يتحرك ويقاتل بشراسة حتى وهو في حالة احتضار.
أين الطائرات اليمنية المقاتلة التي تضرب المواطنين اليوم في قيفه عن حصار دماج والجوف والسيطرة على صعدة وعمران، أين هي القوات اليمنية التي تتحرك اليوم وتتواجد في أدغال العدين بمحافظة إب ومذيخرة والحزم رغم صعوبة الوصول، أينها من اقتحام صنعاء وضرب الإذاعة الرسمية والسطو على المعسكرات النظامية ونهب معدات ومقدرات الدولة واقتحام ونهب منازل المواطنين ؟ هل لازال يتحرك وفق مصلحة الشعب أم أن هناك قوى خارجية تحركه متى شاءت وتجمده متى ما شاءت.
ومن التدخلات الخارجية التي يمكن أن تخرج الجماهير لرفضها توسع وانتشار المليشيات المسلحة في محافظات الجمهورية التي تخدم وتنفذ مشاريع خارجية لتضع خنجرها المسموم في خاصرة الجزيرة العربية من السيطرة على اليمن ومنافذه.
ماذا يكون ما جاء في موقع قناة الشرقية في 19 يونيو 2012م طالب الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي إيران بقوله " نأمل من المسؤولين في إيران عدم التدخل في شؤون بلادنا ومراعاة الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد" إذا لم يكن تدخلاً خارجياً.
وفي صحيفة الرياض ذكر أنه في اجتماع وزراء الداخلية العرب في 13مارس 2012م عندما كشف لأشقائه تفاصيل (التدخلات الإيرانية) في بلاده وتحدث اللواء الدكتور عبد القادر قحطان وزير الداخلية اليمني الأسبق قائلاً " إن الحقائق الموجودة لدى أجهزة الأمن في بلاده تشير إلى أن (إيران) سعت وبقدر ما تستطيع للتدخل في الشأن اليمني من خلال إرسال الأموال وشحنات السلاح إلى أطراف سياسية بعينها، وآخرها شحنه السلاح المضبوطة في المياه الإقليمية اليمنية على متن السفينة (جيهان1) والتي كانت قادمة من أحد الموانئ الإيرانية وتخفي بداخلها (40) طناً من الأسلحة والمتفجرات بما فيها صواريخ مضادة للطائرات وعبوات ناسفة ومواد شديدة الانفجار(س فور-c4) و(اردي إكس RDX) وغيرها من مواد فتاكة كفيلة بقتل الملايين."، ألا يكون هذا تدخلاً خارجياً يسهم في المزيد من إراقة الدم اليمني وزيادة الفرقة وبث الطائفية والمذهبية؟.
لذلك نقول إن التدخل والوصاية من أي جهة كانت شرٌ ولا يمكن أن نُجزئه ونأخذ منه ما يكون ضرره على خصومنا ونرد ما يكون ضرره علينا.
بسام الشجاع
التدخل الأجنبي..شرٌ لا يتجزأ 1363