اكتب عن وطن بات مختطفاً بأكمله ولم تعد الكتابة سوى رثاء كئيب.. لم يعد الحبر سوى عبرات تذرفها مأقي الأحلام وتنزفها خاصرة القصيدة .. وطن سقط كل ما فيه وتقهقر .. وطن أضحى وهم كبير .. منفى إجباري مترامي الأطراف ومساحة مفتوحة بالألم والرجع الطويل ..
كانت الأمنيات قوارب نجاة، والطموحات أجنحة تسافر في دروب الزمن ... كان العمر مشبع بالأمل والتفاؤل، واليوم كل شيء تهاوى وانسحق واصبح ركاماً وأنقاضاً وبقايا أطلال لا تجدي نفعاً .. كل شيء انهار دفعة واحدة الرجال والمواقف والأمكنة..
كل المدائن أصبحت مناطق منكوبة، وكل القمم الشامخة رضخت وانصاعت لخيول الذل والارتهان، وبات طابور العملاء والخونة الأكثر وجوداً والأكبر حظاً والجميع أضحى سلعة رخيصة وفائض وجودي لا قيمة له في هذا العالم..
شيء من البرود الأفقي يصيب ذهنيتي المثخنة بأوجاع وطن مذبوح، وحالة من الوجل تسيطر على مفرداتي القلقة .. خضنا معارك عديدة لكن لم يكن يخطر ببالنا يوما أو لوهلة أن الكلمة ستواجه بالتفخيخ وأنا حملة الأقلام سيدونون في قوائم الموت وحوائط التصفية العرقية والجهوية والمذهبية والطائفية .. ما يزال مشهد سقوط العاصمة وبقية مدنها بذلك الشكل المهين والمذل يقصم ظهورنا ويعري واقعنا السياسي الهولامي الهش..
هذا تاريخ لا يشبه احد سوانا.. هذا منعطف زمني تكاد تكون ملامحة قريبة من تجاعيد المواطن اليمني المغلوب على أمره والمحكوم بنمط أنظمة فاشلة حولته إلى فئران تجارب ودمى يحركها جوقة الأوغاد والسذج ..
صرنا جميعا قيد التهديد ولم نعد نشعر بالأمان والموت يحاصر وجودنا من كل ناحية ويوشك على هدر أرواحنا بسادية موحشة .. الموت يا أصدقائي وحده من يربح في سوق البغاء السياسي وهو وحده من يراهن عليه الفاشلين وقطاع الطرق وزعماء العصابات..
دول العالم تجلي رعاياها من اليمن - الذي لم يعد آمنا - فيما نحن مصلوبون على حافة الجحيم والمصادفة.. نناور في فضاء العذاب ونتأبط الرعب ونتعايش مع الخطيئة بصورة بدائية مقززة.. لا وطن يمكنه استضافتنا ولا سحاب يمكن أن تقلنا إلى اقرب مرفئ امن .. لا ارض يمكن أن تؤينا ولا فضاء يسمح لنا بالعبور.. كل سفارات العالم ترفض استقبال اليمني وكل عواصم الدنيا توصد أبوابها أمامه والأسوأ والأنكأ من كل ذلك أن وطنه يواصل التدحرج صوب الهاوية و في احتراق واشتعال وتأكل يومي و بنمط متتالي مرعب ومخيف ..
ما يحدث في اليمن وضع غير صحي وغير طبيعي وكذلك غير منطقي وحتماً ستعود الأمور إلى نصابها وسيلعن التاريخ كل من تواطأ وخذل وطنه وأهان كرامة مدنه وجيشه.. سيُدوِّن التاريخ هفوات الرجال وكبوات الفرسان وانزلاق الرجال و ضياع المواقف..
نشوان النظاري
وطن مذبوح.. 1334