"وسيبقى نبض قلبي يميناً، لن ترى الدنيا على أرضي وصياً". هذا هو هدفنا، ووسيلتنا مع بعضنا للوصول إلى هذا الهدف النبيل قول الحق سبحانه في محكم كتابه: (ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
لا يخفى على أحد الحالة التي وصلت اليها بلادنا والمتمعن بأحوال الوطن يجد أن الأزمة التي يعاني منها الوطن هي أزمة قيم، ولله در القائل:
وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا
أرجو أن لا تكون الإصابة قاتلة في قيمنا، وأن يوفقنا الله لإحياء ما أصيب من القيم الفاضلة، لأننا بدون استعادة القيم الفاضلة وإحيائها في نفوسنا وغرسها في نفوس الأجيال لن نستطيع الوقوف على أقدامنا لبناء وطن سليم معافى، وما أروع ما قال الشاعر:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
إننا في تعز نعيش همّ الوطن كل الوطن، ولكننا اليوم نعايش حدثاً محلياً خاصاً بالمجمع التعزي ولهذا سيكون حديثياً عن تعز خاصة، غير مغيبٍ لهم إقليم الجند بجناحي الطائر تعز وإب، وحاضر في نفوسنا همّ وطننا الكبير اليمن.
إن أول ما نزل من القرآن على سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-: (اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم).
هذه هي رسالة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- أساسها العلم والمعرفة، ورمزها القلم الذي هو أداة ووسيلة العلم، وتعز هي جزء من الأرض اليمنية الغالية علينا جميعاً ولكنها اتخذت منهجها وطريقها في الحياة العلم والمعرفة، متخذة من القلم رمزاً لها، تواجه العنف بالسلام والكره بالمحبة، تنبذ التعصب بكل أشكاله، تؤمن بالتعايش مهما اختلفت الآراء والتوجهات والمذاهب، وعبر تاريخها الطويل احتضنت كل أبناء اليمن الذين وصلوا إليها من الشمال والجنوب وكانت الحضن الدافئ ومن أتاها خائفاً أمن، ولم يشعروا يوماً إنهم ليسوا من أبنائها ينصهرون مع مجتمع تعز ويندمج معهم أبناء تعز بصدق مشاعر وحب وإخاء.
تعز اليوم تدعو جميع أبنائها وكل ساكنيها إلى التسامح وتوحيد الكلمة، ونبذ العنف والمظاهر المسلحة بكل أشكالها وأنواعها، كما تدعو الأجهزة الأمنية والسلطة المحلية إلى تحمل مسئوليتها الأمنية والإدارية، فالدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية هي المعنية بحفظ الأمن وضبط المجرمين وأصحاب القضايا الجنائية ، والعمل على منع الجريمة قبل وقوعها، وكل أفراد المجتمع عون وسند لهذه الأجهزة وليسوا بديلاً عنها، كما تدعو الأجهزة الأمنية والقضائية لوضع حدٍ لمتهبشي الأراضي ممن يسطون على أملاك الناس وأملاك الدولة بقوة السلاح، فهذه ظاهرة خطيرة ودخيلة على المجتمع التعزي لم تكن موجودة قبل عقدين من الزمن، ومضارها كبيرة على الاستثمار وعلى السلم المجتمعي وتؤسّس لظلم وثارات وانتهاك للحقوق وسفك للدما وإزهاق للأرواح ظلماً وعدواناً، كما ندعو أجهزة الدولة المختلفة وعلى رأسها الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى مكافحة آفة التهريب ووضح حد لها، فالتهريب بما يجلبه من سموم للأرض والإنسان، أخطر أنواع الإرهاب على مجتمعنا، لأنه يستهدف مجتمعنا وأجياله القادمة، فما يدخل إلى بلادنا من مخدرات وسموم ومواد مختلفة تقتل الأرض والانسان.
يوم الخميس الماضي تم التدشين والإعلان عن التكتل المجتمعي لحماية السلم، هذا التكتل الذي انبرى لتأسيسه نخبة من شباب تعز ومعهم خيرة الشيوخ من وجاهات وأكاديميين ومن مختلف المشارب والتوجهات، فأسسوا هذا التكتل بعيداً عن الانتماءات الحزبية أو أي انتماءات ضيقة، يهدف هذا التكتل إلى إعادة الروح لثقافة تعز السلمية التي تدعو إلى العلم والبناء والإعمار وقبل ذلك إلى الحب والإخاء وتقبّل الآخر مهما كانت وجهات النظر مختلفة، مؤمنين أن لغة الحوار هي الأقوى والشراكة المجتمعية لكل الأطياف، وسيلتهم الكلمة البناءة التي توحّد ولا تشتت، تجمع ولا تفرّق، مستخدمين أسلوب المحاضرات والاجتماعات والورش والنشرات ، داعين الجميع إلى الإيمان أن العلم والمعرفة والسلم والحوار الصادق والإيمان بالرأي والرأي الآخر هو المنتصر دوماً على العنف، ومهما ظهرت أية جهة بقوة العنف فإنه لا يُكتب لها الديمومة والاستمرار وشواهد التاريخ تثبت صدق هذا التوجه.
إن من يؤمن بهذا التوجه الذي آمن به مؤسسو وأعضاء التكتل المجتمعي لحماية السلم حتى وإن لم يكن منتمياً إلى هذا التكتل فإننا نعتبره عضواً فيه وعنصراً فاعلاً كونه تكتل لا تربط أعضاءه حزبية ضيقة، ولا مصالح شخصية، ولكن ما يربطهم ببعضهم هو أكبر من هذه الولاءات الضيقة ، إنه حب تعز بشكل خاص وحب الوطن بشكل عام، ومن هنا ندعو كل القوى الحزبية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية وكل مكونات هذا المجمع الحكومية والشعبية إلى أن يضع الجميع أيديهم بأيدي بعض، ويسجلوا مواقف مشرفة تنحاز للوطن وليس للأحزاب أو الأشخاص، فهذه المواقف هي الخالدة وما عداها فإنه خزي وندامة في الدنيا والآخرة عندما يتعارض مع المصالح العليا للوطن.
قبل الختام نحن واثقون أن الخير سينتصر على الشر وأن لغة القلم ستنتصر على لغة الرصاص، وأن الحب سينتصر على الكره، فمفتاح السعادة في الدنيا هو الحب، ومفتاح الجنة في الآخرة هو الحب أيضاً، لنتفاءل بأن الخير قادم وتعز هي صانعة الأحداث عبر التاريخ على مستوى الوطن كله، وعطاءها دائماً للوطن، كل الوطن.
أخيراً أقول: إن تعز الجمال، تعز السلم، تعز الإخاء ، تعز محمد علي عثمان ، تعز الاستاذ النعمان ، تعز عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) تعز عبد الفتاح إسماعيل، تعز عبد الرقيب عبدالوهاب ، تعز عبدالغني مطهر ، تعز محمد صالح فرحان ، تعز علي محمد سعيد، تعز عيسى محمد سيف وعبده محمد المخلافي، تعز العمالقة ممن ذكرت وممن لم أذكر لا يمكن أن تكون إلا مع المشروع الجامع للوطن، كل الوطن من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، وفق رؤية الدولة الاتحادية بنظام الأقاليم التي أقرت ولا تراجع عن ذلك قيد أنملة، لنعيش في إخاء ومحبّة ومواطنة متساوية يتشارك فيها كل أبناء الوطن في السلطة والثروة سواء بسواء، ليبنوا الوطن يداً بيدٍ.. هذه هي تعز الخير والعطاء، وصدق الحق سبحانه القائل في محكم كتابه: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
محمد مقبل الحميري
التكتل المجتمعي لحماية السلم 1323