ماذا لو اتكأ الإنسان في مشيه على قدمه الأضعف , وسار في معظم أيامه بأحماله على أوهن شقيه ومضى دهره سادراً في هذا المسلك المُعوَج ؟!
حتماً سيأتي يومٌ قريب يفقد فيه توازنه , ثم يخسر صحَّته ويتهاوى جسدُه وتتضعضع سائر قُواه وتنهشه الأمراض المُهلكة حتى يموت أو يغدو حطاماً لا نفع فيه!
عندما بيَّن لنا " صلى الله عليه وسلم " في معرض حثِّه المسلم على إنكار المُنكَر والنكير على فاعليه المبدأ الأسمى : " ومن لم يستطع الإنكار بيده ولسانه فلينكر بقلبه وذلك أضعف الإيمان " هل كان في حديثه ما يسوِّغ التزام الناس مبدأ الإنكار بالقلب وتركهم الأخذ بما هو أولى وأعلى وأزكى لمجتمعاتهم ؟!
لماذا يؤخذ بالأدنى في غالبِ الأوقات , مع أن قول المصطفى " صلى الله عليه وسلم" في موطن آخر: " المؤمنُُ القوي خيرٌ وأحبُّ عند الله من المؤمن الضعيف .." فيه تفضيل منه ومن واضع سنن الكون جلَّ وعلا للمؤمن القوي الجسور الذي يؤثّر في بيئته ويغدو عامل إصلاح وتطوير لمن حوله , ورادعاً لمرضى النفوس عن السدر في غيِّهم وتلويث مجتمعاتهم بالشرور!
العمل بالرُّخَص والمُضِي في مسلك التدنِّي والتخاذل يخلق بيئةً متعفنة تتكاثر فيها البكتيريا والجراثيم السلوكية حتى يضحى أمر وجودها معروفاً يكاد لا ينكره أحد!
مثلما يضعف الإنسان السائر على جانبه الواهن بعد حين ويمرض ويتهالك , تضعف وتمرض وتتهالك المجتمعات بأخذ أهلها بمبادئ الوهن والتخاذل عن القيام بواجب إعمار الأرض بالمسلك والفعل الحسن؛ بله الأحسن!
المُداهنة سلوكٌ يلتزمه الكثيرون ممَّن أقابل وأرى وأسمع عنه في مجتمعنا اليمني ويسمُّون ذلك كياسةً وتعقُّلاً ولُطفاً ورفقاً, وهو وربِّ السماء ليس سوى الأخذ بالمسلك الأسهل والأدنى في أغلب ما رأيت وسمعت من أحداث!.
قلما أصدف رجلاً يصدع بقول كلمة الحق ويُنكر السلوك المُشين الذي يتجرأ البعض بالمجاهرة به أمام الناس , وهذا مؤشر خطير ينذر بشؤم مفظع سيهلك هذه البلدة الطيبة إن لم يتداركها الله جلَّ وعَلا ويقيم لها من أهلها من يدعو بلسان حاله ومقاله إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكف عن مداهنة العُصاة والمجاهرين بفعل المعاصي ومُلازمة الرذائل!
جاء "صلى الله عليه وسلم " في مجتمع الجاهلية الوثني قائلاً: إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ولم يقل جئت لمحو الوثنية ؛ حيث معلوم بشهادة التاريخ أنه وكما قالها الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت * فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
والخُلق الحسن هنا ليس المقصود به على الإطلاق المداهنة والسكوت عن قول كلمة الحق واتِّباع مسلك اللطف والرفق مع المجاهر بالمعصية , بل إنَّ من صيانة الأخلاق ذم فعله والتشنيع عليه حتى يكف , فإن هو لم يَكُفْ دفعه نكيرنا للاستتار بقبيح صُنعه حتى يتربَّى الناشئة في بيئة فيها الكثير من الرقي الإنساني الذي يصون ذاته من علَّة عدم إنكار المُنكر !!
أخيراً:
أقترح كما تُقام منظمات لصيانة حقوق الضعفاء وأشياء أخرى ..
أقترح أن تقوم منظمات وجمعيات تتفرغ للدفاع عن خيريِّة المجتمع , وتحيي فضيلة إنكار المُنكَر بأساليب متحضرة ووسائل مستحدثة ووجوه جديدة مقبولة عند الناس تعمل على رفع نسبة الوعي بأهمية النظافة المسلكية لأبناء مجتمعنا الفتي!.
نبيلة الوليدي
العلة القاتلة ..!! 1282