حين تحدث مشيئة الله ويشتعل فتيل الفتنة وتنتصب راية الحرب ويحل الخراب والدمار يهرب الناس من الموت بحثاً عن الحياة، ينزحون بأطنان الخوف والجوع والألم والحسرات تثقل كواهلهم..
ينزحون مبتعدين عن بيتٍ ومال وأهلٍ وولد وذكريات ومشاعر وأحاسيس يكاد أنينهم يشق الأرض ويخدش السماء، لكنهم يستسلمون للقدر ويؤمنون بالمشيئة، خاصة بعد أن تنفذ منهم كل أسباب الأمن والطمأنينة والثقة بأصحاب القرار..
ينزح الناس مشياً على الأقدام وزحفاً على البطون حتى الموت يبحثون عن أبٍ ضائع وأم شاردة وأخٍ غارق في دمائه لا يجد من يسعفه وأخت تحت الأنقاض.. خوف يرتدي خوفاً، وهلع يتلوه هلع، ولم يرتكب هذا الشعب ذنباً ليكون هذا جزاءه وهذه هديته، فالدنب يرتكبهُ الكبار ليدفع ثمنه الصغار، لكن هؤلاء الكبار لا ينتظرون أن يسمع أطفالهم دوي المدافع وزخات الأعيرة الطائشة وآهات المصابين وتراتيل الثكالى، هم لا ينتظرون أن يسمعوا نحيب الأمهات وهن يبحثن عن أبنائهن بين أشلاء البشر..
هؤلاء الكبار يزرعون الفتن ويقصون شريط الحرب ويضعون حجر أساس الدمار ثم يرحلون عن أرض الوطن في رحلة استجمام طويلة لا تخلو من ذلك النجس الذي يلوث تاريخ حياتهم داخل الوطن وخارجه..
يرحل السياسيون عن أوطانهم مختارين لا مجبرين تحيط بهم جيوش الثراء الفاحش وتتلقفهم أرتال الرفاهية الساحقة، فقد اجتهدوا منذ زمن لجمع أموال الشعوب وإيداعها في بنوك العالم ثم يموت الشرفاء والمناضلون والمخلصون لربهم ولأوطانهم على الأرصفة ويموت هؤلاء المتطاولون على أسرة المستشفيات العالمية لتحملهم مراسيم الجنائز داخل توابيت منمنمة تحيط بها أزهار الموت من كل مكان، لكن ليس هذا هو الميزان الذي يفرُق بيننا وبينهم، وليست المسألة في نزوحنا ورحيلهم، فالميزان الحقيقي هو الوقوف بين يدي الله يوم لا ينفع مالُ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
ألطاف الأهدل
الفرق بين نزوحنا ورحيل السياسيين 1356