تواجه بلدنا الحبيبة اليمن الشوروية موجة من العنف والإرهاب لم تشهد مثيلاً لها في تاريخها الحديث, وقدمت حتى الآن آلاف الضحايا الأبرياء من الشهداء والمصابين الذين يتساقطون كل يوم برصاص الغدر والخيانة, من قبل الإرهاب القاعدي, أو الإرهاب الميليشاوي اللذين لم يفرقا بين مواطن مدني أو شرطي أو عسكري كما لم يفرقا بين الطفل والشاب والشيخ, أو بين المرأة والرجل, أو بين السني أو الشيعي أو الزيدي, فكل أبناء الوطن يتعرضون للقنص والقتل والترويع صباح مساء.وبكل وقت وحين, فالقاعدة تتبنى مقتل عسكريين والميليشيات تستهدف من تسولهم أنفسهم حتى ممن هم من بني جلدتهم ومن جماعتهم وميليشياتهم.
وقد ترتب على هذه الموجة من العنف والإرهاب استقطاباً حاداً في المجتمع بين من يطالبون بإيجاد حل سياسي للأزمة, ويؤكدون أن الحل الأمني وحده غير ممكن, فرغم الجهود التي تبذلها قوات الشرطة وتساندها القوات المسلحة, والتي لا زالت الوطنية وحب الوطن يسري في عروقهم مسرى الدم ولكن لاحول لهم ولا قوة, فإن هذه الأزمة لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية, ولهذه الأبعاد دور أساسي في صناعة التطرف الديني الطائفي والمذهبي والعنصري الذي يغذي العنف والإرهاب ويصل المنادون بالحل السياسي إلى المطالبة بالبحث عن صيغة الشراكة السلمية والتوافق الوطني للمصالحة الوطنية لتنأى بالبلاد عن هذا العنف.
وهناك موقف آخر يدين الداعين إلى المصالحة الوطنية ويعتبرهم طابوراً خامساً, ويطالب بالتعامل بأقصى قدر من القوة مع الممارسين للعنف والإرهاب, ويدعو إلى إقصاء جماعة ما أو حزب له حجمه الكبير في الساحة اليمنية عن الساحة السياسية باعتبارها من وجهة نظرهم جماعة إرهابية ’أو حزب ينتمي لتيار متشدد.
وفي ظل هذا الاستقطاب الحاد يصعب إجراء مناقشات موضوعية بين هذه الآراء, ويصعب طرح أزمة المجتمع لمناقشة مفيدة ومثمرة ينتج عنها رؤية متكاملة لكيفية المواجهة.
وما أسهل أن نتبادل الشتائم والاتهامات وما أصعب أن نحكم العقل في وقت يتعرض فيه الأبرياء للقتل يومياً. ولأننا إزاء مشكلة تهدد المجتمع بالتفكك وتهدد الدولة بالانهيار, فإننا مطالبون بالتزام الموضوعية في مناقشة هذه القضية وتجنب الاتهامات المتبادلة وتوسيع نطاق الاتفاق, وتغليب المصالح العليا للشعب.
وفي هذا الإطار فإن إمكانية تجاوز الوضع الراهن وإنهاء أعمال العنف والإرهاب يتطلب توافقا مجتمعيا واسع النطاق على موقف متكامل يقوم علي عدة أسس في مقدمتها أولا التصدي بكل حزم لأعمال العنف والإرهاب وتقديم مرتكبيها إلى محاكمات سريعة وعادلة في نفس الوقت, وهناك من القوانين ما يكفي لتوقيع العقاب الرادع لهذا العنف, والسعي ثانياً إلى إشراك المجتمع في المواجهة, وعدم تحميل قوات الأمن وحدها عبء المواجهة, بالحرص على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية من خلال التفاوض ومنح الدولة الوقت الكافي لتدبير الاعتمادات المطلوبة, ومنحها الفرصة للتفرغ لمواجهة العمليات الإرهابية. والحرص ثالثاً على إتاحة الفرصة لكل من يريد المشاركة السياسية في العملية الديمقراطية بشرط أن يعلن نبذ العنف واعتماد المنافسة السياسية السلمية سبيلا للوصول إلى السلطة, وينبغي أن نهتم رابعاً بالنهج الحواري لاستكمال المشروع الحضاري المتمثل بالحوار الوطني الشامل والعمل على تنفيذ مخرجاته , وأن يكون الحوار أساس الوصول إلى التوافق حول مشكلات المجتمع, هذا هو السبيل للنجاة ببلادنا مما تعيشه حاليا, ولا يمكن إنقاذها بالاستسلام للإرهاب, والسماح لجماعات القتل والتخريب والميليشيات التي تعتنق السلاح لكي تحظى بما تؤل إليه ولكي تحقق مأربها كما لا يمكن إنقاذها باستئصال تيارات سياسية وفكرية من المجتمع أو إقصائها عن الحياة السياسية.
كلا الموقفين خاطئ, كما أنه ليس علينا أن نختار بين الأمن وحقوق الانسان, لأننا بحاجة إلى الاثنين معا, نطبق القانون بكل حزم ونوفر في نفس الوقت المعاملة الإنسانية ونحفظ للمتهم حقوقه فلا يتعرض للتعذيب أو المساس بكرامته الإنسانية, نوفر له المحاكمة العادلة والعاجلة في نفس الوقت.
نساند جهود رجال الأمن في تصديهم لأي خروج عن القانون ونوجه النقد لهم إذا لم يراعوا حقوق الإنسان وإذا تجاوزوا في تعاملهم مع المواطنين.
هشام عميران
بالتصدي للإرهاب نتجاوز الوضع الراهن 1337