تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تمرير مشروع قانون "الدولة القومية اليهودية"، الذي يأتي ضمن عشرات من القوانين تسن في إسرائيل وتحمل في طياتها التمييز العنصري، ويعتبر هذا القانون هو قانون أساس لا يمكن الطعن عليه في المحاكم الإسرائيلية، وهو نتاج توجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف.
يهودية الدولة
لا يكتفي الكيان الإسرائيلي بالاعتراف به دولة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية، إنما يبحث دائما عن صيغة دولية تمنحه مشروعية تاريخية وقانونية في أرض فلسطين، ومنذ وعد بلفور اليهود بإنشاء وطن قومي في فلسطين يكرس اليهود خطواتهم نحو شرعنة هذا الوعد.
وقد سعى حاييم وايزمن بكل جهده من أجل الحصول على اعتراف دولي من أجل الشعب اليهودي بشكل قانوني، معتقدا أن هذا الاعتراف سوف يشكل أساسا قانونيا لإنشاء دولة إسرائيل للشعب اليهودي، ولكنه فشل في تضمين ذلك في قرار التقسيم في الجمعية العامة، إلا أن ذلك لم يمنع إسرائيل من سن العديد من القوانين منذ إعلان قيامها تشكل طابعا يهوديا لإسرائيل وتمييزا للإسرائيليين ضد العرب.
وهكذا دعت اليهود في شتى أنحاء العالم للعودة إلى إسرائيل والحصول على جنسية إسرائيلية فور وصولهم، وسنت قوانين لمصادرة الأراضي العربية بين العامين 1950 و1953 بموجبها منع من تبقى من العرب داخل حدود عام 1948 من العودة إلى قراهم وصادرت أملاك الغائبين منهم.
وتتزايد مطالبات داخل إسرائيل باعتبارها دولة يهودية كلما جنح المجتمع الإسرائيلي لليمين المتطرف الذي أصبح يشكل حتى الآن ما يقارب 70% من المجتمع الإسرائيلي، وتشكل يهودية الدولة أداة لسن قوانين مصادرة أراضي العرب ومبررا لاستيعاب الهجرة اليهودية ورفض حق العودة للاجئين.
ورغم أن إسرائيل لم تطالب كلا من مصر عام 1979 والأردن عام 1994 في معاهدتي السلام بالاعتراف بيهودية الدولة، فقد اشترطتها في الحل النهائي مع الفلسطينيين، وطرحت في مفاوضات كامب ديفيد 2000 وخارطة الطريق، ووضعت الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية شرطا في مؤتمر أنابولس للسلام عام 2007.
واقع التمييز
يضاف القانون الجديد لعشرات القوانين العنصرية التي أقرتها إسرائيل، ولعل السنوات الأخيرة كانت حافلة بمجموعة من القوانين العنصرية، فقد فرضت تشريعات تحث وتنقص من حقوق الفلسطينيين وحريتهم.
فبينما تُمنح الجنسية لليهود القادمين لإسرائيل يمنع لم الشمل للفلسطينيين المتزوجين من الأراضي الفلسطينية عام 1967، كما سن قانون المواطنة الذي يرهن فلسطينيي عام 1948 والقدس بالولاء للدولة اليهودية، وهو قانون غير مسبوق في الدول، كما سن قانون يحظر التحريض على من يرفض وجود دولة إسرائيل ويسجن من ينادي بها، كما اشترط على من يحصل على المواطنة الإسرائيلية عبر قانون الولاء بأن يقوم بالتوقيع على أن إسرائيل دولة يهودية.
كما تمتلئ أدراج الكنيست بحزمة من المشاريع المقترحة التي تعزز من عنصرية إسرائيل وتميزها ضد الفلسطينيين، وتستهدف الوجود الفعلي للسكان الفلسطينيين في القدس والأراضي المحتلة عام 48، يرافقها عشرات القرارات بهدم المنازل ومنع البناء وسحب الهويات ضمن المشاريع التهويدية، ولعل جدار الفصل العنصري كان من أبرز ملامح هذا التمييز.
قد لا يغير قانون اليهودية شيئا من واقع حال الفلسطينيين بل سيساهم في مزيد من انتقاص حقوقهم المعيشية، وإن كان القانون لن يتيح لهم اللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية مما سيجعلهم يتعرضون لمزيد من التمييز وعدم المساواة داخل المجتمع الإسرائيلي.
هذا القانون بكل صياغاته -التي لم يعتمدها الكنيست بعد والمرجح عرضها الأسبوع المقبل- المخففة والمتطرفة، يصب في خانة عدم المساواة وأحقية اليهود في تقرير مصيرهم وإلغاء الاعتراف باللغة العربية لغة رسمية، وحصر حقوق الفلسطينيين بالحقوق الشخصية.
الصراع الديمغرافي
لقد لعبت الديمغرافيا قبل قيام الدولة الإسرائيلية دورا مهما في الصراع مع إسرائيل، ولذلك عمدت إلى استجلاب الهجرة اليهودية وساهمت في نشأة المشاريع الاستيطانية وتهويد المدن العربية، ورغم كل هذه الإجراءات فإن إسرائيل تعاني من التهديد الديمغرافي.
وتشير التقديرات إلى أن المسألة السكانية ستحتل المرتبة الأهم قبل المسألة الجغرافية، مما سيكون له تأثير على مجريات الصراع، إذ يتساوى الفلسطينيون مع الإسرائيليين عدديا مع نهاية 2015 بما يقارب 6.5 ملايين نسمة، وإذا بقيت معدلات النمو السائدة حاليا فسيصبح نسبة السكان اليهود مع نهاية العام 2020 فقط 48% من مجموع السكان في فلسطين التاريخية، فيما سيصل عدد الفلسطينيين إلى 7 ملايين.
كما سيشكل السكان الفلسطينيون في الداخل -في ظل نسبة نمو 3%- نحو 2.5 مليون فلسطيني، أي ما يقارب 24% من السكان، مما يجعل الديمغرافيا تشكل تهديدا يحفز الاحتلال على سن المزيد من القوانين العنصرية.
ويرتبط طرح هذا القانون بواقع الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، فنتنياهو يسعى لتعزيز صورته أمام اليمين الإسرائيلي بطرح قانون قد يعرض ائتلافه الحاكم للانهيار، فما ينتظره من ملفات ساخنة على الساحة الإسرائيلية من الإخفاق في عملية الجرف الصامد وملف الميزانية جعلته يستبق ذلك ويطرح القانون الذي يعارضه كل من وزير المالية لبيد ووزيرة العدل تسيبي ليفني.
وسيكون نتنياهو في ظل ذلك أمام خيارين:
الأول: انهيار الائتلاف الحاكم والتوجه لانتخابات جديدة تعزز من حضور اليمين المتطرف للكنيست بما يمكن نتنياهو من تشكيل الحكومة القادمة، فقد حصل على وعد من "الحراديم" بتزكيته إن جرت انتخابات تشريعية لقيادة الحكومة في ظل التقارب بينه وبين حزب البيت اليهودي بقيادة بنت.
الخيار الثاني: هو المصادقة على قانون يهودية الدولة، وبذلك تصبح الفرصة مواتية لاستمرار نتنياهو في قيادة الحكومة ومحاولة ضمان استقرار الائتلاف.
توجه نتنياهو للانتخابات متسلحا بالقانون قد يدفع لخيار تمرير القانون، وهذا يعني أن اليمين المتطرف سيسيطر على السلطة، وسيتقلص هامش المناورة أمام التسوية التي ستصطدم بجنون التطرف الإسرائيلي.
المواثيق الدولية
لا يشترط القانون الدولي للاعتراف بأية دولة تحديد هويتها أو قوميتها، ولم يعر القانون أي اهتمام لاسم الدولة أو نظامها السياسي، لكن المواثيق الدولية الأخرى تكفل مبدأ حظر التمييز حسب المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة 1945، وأكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مبدأ المساواة والكرامة، وهي مبادئ وحقوق غير قابلة للتصرف، كما يحظر العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تشجيع الكراهية الإثنية أو العنصرية أو الدينية.
ورغم هذه المواثيق تعتبر إسرائيل نفسها دولة فوق القانون ولا تطبق قرارات الشرعية الدولية، وتعتمد على منطق القوة في فرض أجندتها في ظل الدعم الأميركي والغربي لها، وقد أقرت محكمة العدل الدولية بطلان بناء الجدار العازل.
إذا أقر هذا القانون فلن يستطيع فلسطينيو 48 التظلم أمام محكمة العدل العليا في إسرائيل، لأنه قانون أساسي لم يسبق للمحكمة النظر فيه، وتعتمد في قراراتها على القوانين الأساسية، وقد كانوا في السابق إذا شعر أي منهم بالتمييز العنصري يلجأ إلى المحكمة التي تعتمد على القوانين الإسرائيلية، كما لا يعتبر فلسطينيو الداخل قومية مستقلة تمكنهم من اللجوء إلى المحافل الدولية.
وفي الأخير وسواء أُقر قانون اليهودية في إسرائيل أم لم يقر في الجلسة القادمة للكنيست فإن إسرائيل لن تتوقف عن المس بمكانة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، سواء عن طريق الطرد أو التبادل السكاني، كما ستسعى إسرائيل للإقرار بحقها التاريخي في فلسطين متضمنا إسقاط كل الحقوق الفلسطينية، وسيثبت صدق روايتها طوال فترة الصراع، ويغلق الباب أمام حق العودة بشكل مطلق.
وستزداد شراسة المجتمع الإسرائيلي نحو طرح اليهودية في السنوات المقبلة، إذ يشكل اليمين المتطرف بشقيه الديني والعلماني 70% من المجتمع الإسرائيلي، وسنشهد ذلك جليا في أي انتخابات قادمة، إن كانت مبكرة في حال انفرط عقد الائتلاف الحاكم، أو في موعدها المقرر 2015، وسيكون الفلسطينيون في مواجهة جنون التطرف الإسرائيلي.
باحث ومحلل سياسي مختص بالشأن الفلسطيني
حمزة إسماعيل أبو شنب
قانون الدولة القومية اليهودية في الميزان 1084