سبق وأن قلت إني رأيت في الأستاذ/علي البخيتي ذكاءً حاداً وبوادر لمواقف وطنية مستقلة وإن كانت لا ترقى إلى أن تكون كاملة ومستقلة تماماً، ولكنها إرهاصات لولادة شخصية وطنية كبيرة ، ولا شك أنه سينمو فيها هذا الجانب الاستقلالي الايجابي في الرأي الذي ينحاز إلى الحق والحق فقط ، انتقدني البعض حينها ولكني لم آبه لنقدهم بل لإساءة الظن بي من قِبل بعض "هذا البعض" ، لأني مقتنعٌ بما أقول وبما لا حظته في هذا الشاب رغم سنه المبكر، وها هو اليوم يكرر انتقاده لجماعته لما تمارسه من انتقامات ضد الخصوم ، ويحذِّرهم من مغبة هذا السلوك الانتقامي ، ولا يصدر مثل هذا النقد البناء والجرئ إلا من شخص لديه رجاحة عقل وثقة بالنفس ، وينظر الى بعيد ، إن مثل هذه العقليات هي التي تخدم وتفيد حزبها أو الجماعة التي تنتمي إليها أكثر من أولئك الذي يغمضون أعينهم وعقولهم وينفذون الأوامر والتعليمات دون نقاش أو استفسار أو إسداء نُصح ، متفاخرين بهذه الطاعة غير السوية معتقدين أنهم مثاليون في سلوكهم ، ولكني أرى أن هذا الصنف الذي لا رأي له ولا يعرف إلا إيذاء الخصم تقرُّباً لحزبه أو جماعته أخطر على هذه الجماعة أو الحزب من الخصم نفسه ، لأنهم سيتركون في النفوس جراحات غائرة وأحقاداً دفينة ، تتحين الفرصة لرد الكُرة والانتقام المعاكس، وبهذا تعيش من تنتمي إليهم كما تُعـيِّشْ المجتمع في ثأرات وفي انتقامات وانتقامات مضادة، والشواهد على واقع دنيا الناس كثيرة على ذلك.
أُحيِّي العُقلاء الموجودين في أوساط الأحزاب والجماعات رغم قلتهم ومحاربة الآخرين لهم ، وربما توجَّه إليهم أحيانا اتهامات بالخيانة وحب الظهور وكثير من التهم الظالمة ، ومصدر هذه التهم الموجهة لهم غالباً ما تصدر من هؤلاء التوابع المسخ ، فنرجو ألاَّ تثنيهم مثل تلك التُّهَم عن أدوارهم الوطنية ونصحهم الصادق لأحزابهم وجماعاتهم, فهم صمام أمان لأحزابهم وجماعاتهم من الانهيار التام ، وهم الأمل لعودة الأمور الى نصابها.
كما نرجو من العقلاء من خارج هذه الأحزاب والجماعات ألاَّ يبخلوا بتقديم النصح عبر الوسائل المتاحة رغم ما قد يتعرضون له من مخاطر واتهامات ، ولكن هذا هو قدرهم وكما قال المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: ( الدين النصيحة ) ، وما نلاحظه هذه الأيام من اقتحام لبيوت الخصوم من قبل إخواننا الحوثيين ( أنصار الله ) قد سبقنا لانتقاده وتخطئته إخوةٌ لنا ممَّن ينتمون إليهم أمثال الأستاذ علي البخيتي ، لأن قيمنا وعاداتنا لا تقبل الإهانة والإذلال للخصم بعد الانتصار عليه ، فضلاً عن اقتحام المنازل التي لها حرمة خاصة في ديننا الحنيف, فمن دخل بيته كان آمنا اقتداءً بسلوك المصطفى صلى الله عليه وسلم مع مشركي مكة يوم الفتح ، فما بالك وكلنا مسلمون وليس بيننا مشرك ، فالمنتصر صاحب القيم يتعامل مع خصومه تعامل الفرسان النبلاء، فنرجو من إخواننا الحوثيين أن يستفيدوا من التاريخ ومن أخطاء غيرهم ، ويؤمِّنوا خصومهم ولا يتجاوزوا إلى الخصوصيات ، والانتقامات ، حتى يتركوا أثراً طيبا ، والأيام دُوَل، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك.
محمد مقبل الحميري
المنتصر وأخلاق الفارس النبيل 1279