منذ بداية الأزمة اليمنية في ربيع 2011م لم نسمع أحدا يتحدث أو يتساءل عن دور منظمة الأمم المتحدة ومبعوثها جمال بن عمر في هذه الأزمة ..وهل كانت دور هذه المنظمة الدولية التي شاخت وترهلت وتجاوزها الزمن إيجابيا ونزيهاً ومحايداً ومطابقاً لمقاصد ومبادئ ميثاقها ؟ أم أنها ومن خلال مبعوثها قد تجاوزت نصوص هذا الميثاق الدولي وتعاملت معه على أساس أنه غير موجود؛ لذا عملت على سلب المبادرة الخليجية وتهميش أصحابها وإقصائهم عن مسؤولية الإشراف على تنفيذ تلك المبادرة ليتحول بنعمر بعد تلك الخطوة الاستلابية من وسيط بين الأطراف المتنازعة إلى مفاوض ووصي ومشرع للقرارات والمبادرات والتسويات التي تعد من صلب عمل اللاعبين المحليين واختصاصات السلطة الوطنية .
من حق كل متابع وباحث عن الحقيقة ان يسال وبعد مرور ثلاث سنوات من دخول منظمة الأمم المتحدة على خط الأزمة اليمنية ماذا أنجزت تحركات هذه المنظمة ومساعيها على صعيد حلحلت هذه الأزمة وتفكيك تعقيداتها وكيف سيرت قوها وفريق عملها برئاسة جمال بنعمر عملية التسوية السياسية وتعاملت مع الحلول المقترحة في المبادرة الخليجية والتي كانت تعني عملياً حسم الصراع على السلطة وتسوية الملعب سياسياً بين الفرقاء من أجل الإعداد لدستور جديد وانتخابات رئاسية وبرلمانية تنتقل اليمن بموجبها إلى واقع جديد ومستقر في مدة انتقالية لا تتجاوز العامين ؟حيث أن الإجابة على مثل هذه التساؤلات تغدو ضرورية وملحة في ظل المأزق الخطير الذي وصلت إليه العملية الانتقالية والذي يكاد يؤذن بانهيارها نتيجة لفشل متعدد في كل الاتجاهات .
من الواضح أن ما يجري في اليمن منذ ربيع 2011م قد شابته كثير من المفاجآت والتطورات والأحداث التي مازال بعضها يلفه الغموض أو مستعصيا على الفهم أو التفسير حتى اللحظة الراهنة على الأقل غير أن الشيء الذي لم يعد سراً أو غامضاً هو أن اليمن يعاني اليوم باعتراف الدول العشر من فراغ سياسي وامني وفشل اقتصادي وفشل في بسط نفوذ الدولة وفشل في إنهاء الصراعات وفض الاشتباكات وإنهاء انقسام الجيش وتوحيده؛ الأمر الذي أوصل البلاد إلى حافة الانهيار والإفلاس والذي قد يدفع بها نحو التقسيم وليس التقاسم إلا أن مثل هذه الحقيقة هي من تضيع بين أوهام الإنجازات الخارقة وتضاعيف سحابة اليأس الخانقة وحجم الخطر الذي يتهدد هذا البلد ومن به ومن عليه والذي وصل لدرجة استثنائية صار فيها استشراف المستقبل أو تمثل الحاضر ليس أكثر من قصة مأساوية وحزينة لشعب وجد نفسه بعد 3 سنوات من ربيعه الحالم يدور بين نقطتي البداية والنهاية لا يدري ماذا يفعل بعد أن خذله القريب والبعيد وفي الصدارة منهم منظمة الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن الذي أسهم مع الأسف الشديد في تدويل الصراع الداخلي وتحويله إلى معضلة حقيقة بيد الأطراف الخارجية التي تهتم بمصالحها أولاً وأخيراً حتى لو كانت تلك المصالح متناقضة ومتعارضة مع مصالح الوطن اليمني .
لقد أدرك هذا الشعب في غالبيته العظمى أن وطنه يضيع وأن التدخل الخارجي لم يؤد إلى أي حسم حقيقي للأوضاع الملتهبة بل على العكس فقد ساهم في تزايد تعقيدات الصراع وتوسيع أبعاده التدميرية إلى الحد الذي أصبح فيه غالبية اليمنيين على قناعة بأن السيناريو الذي يشرف عليه بن عمر يهدف في المقام الأول إلى الإبقاء على الوضع في اليمن متأرجحاً لمدة طويلة بين المواجهات والمعارك الضارية والتسويات الهشة والمؤقتة على ان مؤشرات هذه النوايا باتت كثيراً ومتعددة فقد مضت مدة الفترة الانتقالية المنصوص عليها في المبادرة الخليجية والمقدرة بسنتين دون إنجاز أي شيء من استحقاقاتها كما ان الفترة الثانية من المرحلة الانتقالية توشك على الانتهاء دون إنجاز أي شيء من الاستحقاقات السابقة واللاحقة المنصوص عليها في وثيقة مخرجات مؤتمر الحوار واتفاق السلم والشراكة .
وحتى لا تسترقنا (نظرية المؤامرة ) فإن علينا أن نمد بصرنا إلى ما هو أبعد من مواطئ أقدامنا وأن نستشرف الاستراتيجية الأممية في اليمن حيث سنجد ان هذه الاستراتيجية تقوم على أساس الإمساك بخيوط المشكلة وليس حلها ولذلك فكلما اقترب اليمنيون من حل أية قضية خرج عليهم المبعوث الأممي ليقلب الطاولة ويعيدهم إلى المربع الأول ليدير أكثر من جبهة في منطقة واحدة وفي توقيت واحد بل إنه من ظل يؤجج الخلافات داخل كل طرف على حدة من أجل ليِّ ذراع الجميع كما أنه الذي ما فتئ يُلوِّح باستمرار بالعقوبات على من يختلفون معه في الوقت الذي اليمن فيه بحاجة أكثر ليس إلى فرض العقوبات على هذا الطرف أو ذاك وإنما إلى تعميق الثقة وتقريب وجهات النظر وتمكين الدولة من استعادة نفوذها على كامل التراب الوطني.
ومن ثم يبرز أكثر من سؤال ما هو حصاد بنعمر في مهماته الـ 35 السابقة ؟ وماذا قدمت منظمة الأمم المتحدة لليمن غير تحويل الوضع في هذا البلد من أزمة سياسية بين نظام الرئيس السابق وخصومه إلى أزمة متشابكة تعمل على تفتيت هذا البلد وإسقاط مؤسساته ؟ قد تكون لبنعمر إجابته الخاصة على هذه التساؤلات لكن ما نراه على الأرض الواقع ويراه كل اليمنيين أن بنعمر لا يستطيع أن يتحدث عن إيجابية واحدة اسهم بها من أجل يمن مستقر بل إنه من قسَّم اليمن فدرالياً في مؤتمر الحوار ومن قبل ذلك فقد قسمه عسكرياً ومناطقياً, كما أن الدولة التي كانت قد سقطت في الأطراف و ظلت حاضرة في المناطق الحساسة وإن صوريا قد سقطت كلياً تحت إشرافه كما أن الجيش الذي قال عنه ذات يوم إنه منقسم على نفسه قد جرى تفكيكه تحت مسمى إعادة الهيكلة والتي لم تكن تعني عملياً إلا إخراجه نهائيا من الجاهزية ناهيك عن أن الدولة التي قال بنعمر إنه من جاء لإنقاذها من الصوملة ها هي من "تتصومل" بأسوأ مما كان يتصوره أحد حيث أصبحت حالة صنعاء أكثر كارثية من حال مقديشو وليس هذا وحسب فها نحن نعيش الآن عصر صوملة اليمن وليست هناك صوملة مستقبلية أسوأ مما يحدث الآن .
لقد احتاج الصوماليون إلى ثلاثة وعشرين عاماً لتدمير دولتهم فيما استطاع بنعمر ومن خلفه منظمة الأمم المتحدة صوملة الدولة اليمنية وتفكيكها خلال ثلاث سنوات ــ إن لم يصل اليمن إلى مرحلة أبعد من الصوملة ــ فلا أمن ولا قانون ولا استقرار وإنما خوف وقلق و مصير غامض وانهيار في جميع النواحي والأنكى من كل ذلك أننا الذين لم نستوعب حتى الآن أن منظمة الأمم المتحدة لا تحمل في سجلها أنموذجاً إيجابيا واحدا على مستوى العالم الثالث ولم نستوعب أيضا أن هذه المنظمة إذا ماحلت في بلد دمرته وفككته وذبحته من الوريد إلى الوريد .
علي ناجي الرعوي
هذا ما فعلته بنا الأمم المتحدة !! 2491