كل عام تحتفل المستعمرات العربية بذكرى تحررها, وخروج المستعمر الأجنبي من بلادها..
نحن في اليمن أسمينا ذلك اليوم يوم الجلاء؛ بل وجعلناه عيداً فقلنا عيد الجلاء, يوم خروج أخر جندي مستعمر من جنوب اليمن الحر!.
لكن هل تحررنا فعلاً , وهل تحررت شعوبنا العربية حقاً من ربقة المستعمر الأجنبي؟, هل نحن أمة حرة ذات سيادة كاملة وإرادة مستقلة ؟, هل نمتلك حق تقرير المصير كما أسموه سادة الاستعباد المتأخرون؟, هل نستحوذ على مقدرات أوطاننا, هل نملك حق اتخاذ قرار بشأن مشاريع نهضة كبرى لبلداننا وشعوبنا, هل نمتلك حتى مجرد الحق في التخطيط لمستقبلنا منفردين , هل ندير ثرواتنا بأنفسنا؟, بل هل يمكننا اختيار الأوصياء علينا فضلا عن اختيار فك قيد الوصاية عنا؟.
يا لها من خدعة هزلية كبرى, نكرر فصولها كل عام على مسرح هامش التاريخ, الذي نسرح ونمرح فيه رغوة غثاء نعيث في الأرض فساداً, ولا نضيف للحياة شيئا يذكر!.
نقيم الاحتفالات يوم ذكرى التحرر المزعوم , ونتبادل التهاني, ندبج الخطب وننظم القوافي في مجد زائف ونصر كاذب لنوهم بعضنا البعض بأنا قد تحررنا وصرنا أسيادا لأنفسنا ومالكي أرض أوطاننا, وحق سياسة شعوبنا بالطريقة التي تختارها هذه الشعوب المغيبة عن معرفة أبسط المعلومات عن مقدار ثروتها فضلا عن حقائق جدولتها على أجندات الأخر الكاذب المخادع , ذلك الخبيث المتقهقر من أرضنا جسدا , الجاثم على صدرها روحاً مستبدة بتسيد خفي !.
بل أنا من شدة تحامقنا, وفرط جهالتنا نقتتل, ونفني بعضنا احتراباً على سلطة ليست في الأصل بيدنا!.
وضعوا تعريفا للدولة جعلوا من أهم بنوده " الاعتراف الدولي " لست دولة يا من لا يعترف بك سادة العالم دولة, ولو زلزل حراكك مزن السماء!.
أنتم يا من تستميتون في ساحات الحراك الجنوبي لن تحصدوا سوى مزيد عناء تضيفونه لرصيد بؤس وتخلف شعب اليمن في الشطرين.. إن سادة العالم لم يخُطوا بعد قرار منحكم الاعتراف!.
وأنتم يا من تستحلون دماء رجال اليمن وشبابه في شمال الوطن باقتتالكم على السلطة لستم أكثر من دمى مكبلة في نهايات حبال على مسرح عرائس يلعب به الأخر الثري القوي..
وأنت أيها الشعب اليمني الطيب, يا من صدقت بأنك عندما أخرجت المستعمر من أرضك قد نلت حريتك, و تحتفل سنويا بذكرى نصر وهمي؛ اعلم أنك مستعمر بالخفاء, لا سيادة ولا ثروة ولا قوة وقيادة وطنية بيدك, يا لبؤسك أيها الشعب المبعثر على شفرات القدر الذي جعلك مسرحاً لصراعات شتى, وجعل عليك رؤوسا جهّالّا, لا همّ لهم سوى اكتساب المال وتقاسم سلطة موهوبة ظاهراً من الأخر المتعالي المتغطرس المبغض الحاقد..
فلتبكِ يا أمة العرب- في كل ذكرى تحرر وهمي- مجدك الحق المفرطة فيه!.
قد ساد الكون أولك, عندما عضوا على رسالة السماء بالنواجذ وعرفوا المعنى الحق للسيادة, بامتلاك صولجان رب الكون, حكموا الدنيا بشريعته, وملكوا القلوب بفضيلتهم و رقي أخلاقهم , ثم هوت بهم عجلة سنة الحياة لقاع التاريخ بعدما تخلوا عن دعائم مجدهم ونفضوا من أيديهم عوامل نصرهم, وباعوا الغالي برخيص لذات دنيا سامتهم عذاب التشرذم والاقتتال فيما بينهم, والعبودية والتبعية, برغم مسرحية جلاء الاستعمار الهزلية!!.. أفٍ لأمة أراد الله لها العزة واختارت لنفسها الضّيعة والهوان!..
نبيلة الوليدي
أمة مبعثرة على هامش التاريخ!! 1246