لا يمكن لأحد التشكيك حول الواقع الذي يمر به اليمن اليوم على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، هذا الواقع- الذي كان نتيجة حتمية لخلافات حادة تمتد حلقاتها لسنين طويلة- هذه الخلافات- التي تتسم باللعب من خلف الستار على وتر العواطف والأحداث، أحدثت فجوات عميقة بين القيادات السياسية والمكونات الشعبية، والمواطنين ككل، للأسف الشديد إن الصراعات هذه ذات طابع استمراري؛ نتيجة لغياب الحس الوطني والضمير الأخلاقي لدى بعض القيادات بمختلف مواقعها، فالصراع مستمر بين الأطراف بين الخاسر والمنتصر مهما تبادلت الأدوار واختلت الموازين، لتصبح المعركة مستمرة وأكثر مأساوية كون الخاسر الوحيد من هذه الحرب الضروس هو الشعب والوطن، هذا ما يغفله أو يتجاهله الكثيرون بسبب انعدام الضمير الوطني الذي يتنازل عن الحق في الرد من أجل الوطن فقط وللتاريخ كلمته في تدوين هذا الفعل الوطني الكبير، وهذا وحده هو السبيل الوحيد للخروج باليمن إلى بر الأمان وطي صفحة الماضي بكل ما تحويه من أحزان ومآسي..
نتيجة لغياب الحس الوطني من قلوب وضمائر بعض من يعتلون هرم السلطات والمكونات بمختلف مواقعها أصبح لدينا مفهوم "اليمن ثانياً"، فلطالما تغنينا كثيراً إعلامياً وجماهيرياً بمفردة "اليمن أولاً" لتتبخر هذه الكلمة أمام المتناقضات السياسية والشعبية، نتيجة لخلافات عميقة وخفية كان الخاسر الوحيد منها هو اليمن.
نعم اليمن ثانياً، ونكرر هذه الكلمة كونها أصبحت واقعاً مجسداً على أرض الوطن، فلقد رمينا مصالح الوطن خلف ظهورنا ومضينا نفتش عن مصالحنا الذاتية في حقائب المكر والخداع، بغض النظر عن أي طموح زائف نبتغي الوصول إليه.
لقد سئمنا التصريحات الرنانة والخطابات المعسولة التي طالما تغنى بها السياسيون وصناع القرار، كل تلك الخطابات المتناثرة في كل مركز سياسي وإعلامي بانت حقيقتها، وانكشف زيفها، وتعرى مكنونها، فانجلى ما كان غامضاً، وبدا ما كان مستوراً، فالأحداث فعلاً هي التي تظهر الرجال على حقيقتهم وهي كفيلة بهذا الإجراء الذي سيفضح كل كاذب وخائن وتُبدي كل وطني غيور على شعبه ووطنه.
يا سياسيينا ويا صناع القرار, كفاكم خطابات وتصريحات مخادعة ولتنظروا في مكنون خطاب الشعب لكم، لمَ تكذبون علينا بالمفردات الرنانة كاليمن أولاً وقد جعلتموه خلف ظهوركم ومعبرا للوصول إلى مآربكم اللاوطنية؟ ليصبح بعدها اليمن ثانياً إن لم يكن أخيراً، لمَ تخدعونا بعبارات الحب الزائف كاليمن في قلوبنا؟ وفي الحقيقة إن المفردة الحقيقية والمرة لذلك هي "اليمن في جيوبنا" لقد صار اليمن عملة تتبادلونها وبضاعة تتبايعون عليها! لمَ كل هذا التقديس المؤدلج حسب المصلحة الشخصية فقط؟ أما يكفيكم ما فعلتم وتفعلون بالشعب المسكين المغلوب على أمره، والوطن الممزق أحلامه، والمشتت شمله والمشرد أهله والمجهول مستقبله.
أيها السياسيون ويا صناع القرار لم يعد لدينا ما نخبئه لكم من الثقة والاحترام فقد استنزفتموها ولم تراعوا فيها ضميراً ولا إنسانية، ولا غيرة ولاحسا وطنيا، لم نعد نملك شيئاً سوى ما تبقى من الألم والحزن الذي يعتصر قلوبنا على وطن يسلب وشعب يقهر أمام أعيننا، ومستقبل يكتنفه الغموض. قلوبنا تتقطع ألماً على شعب ووطن كان السعد له رمزاً، والعزة له عنوان وشيمة.
لقد سلبتم من اليمن السعيد سعادته ونزعتم من قلوب أبنائه ما تبقى من أمل يبشر بالمستقبل الجديد والعيش الكريم، لقد نسيتم أو تناسيتم يمن الماضي الأغر يمن الشموخ والحضارة، الذي يفوح من قممه الشاهقة عبق التاريخ وعمق الانتماء، والإصرار على البقاء الذي لا ينحني مهما اشتدت عليه عواصف الحقد الأعمى، وركبت أمواج بحره الخطوب، هذا كفيل بأن نعيش من أجل الوطن وفي خدمته.
في الأخير لدي كلمة لك يا وطني العزيز فمهما جار عليك الجار والأهل والفجار، فستبقى قبلة التاريخ العابق والمجد الذي لا يمحى، متوشحاً سيف العزة والإباء لتبقى وطن لمن يهواك، ويعشق رباك، فلنردد معاً وبلا زيف أو خداع "اليمن أولاً" ليبقى اليمن أولاً وحسب، ولا بقاء تحت سمائه لمن شعاره اليمن ثانياً، ليبقى اليمن وطناً للوطنيين فقط، ولا بقاء للمرائين على أرضه، لا مقام لهم فيه ولا مرحباً بهم، فبوركت أيامك يا وطني الحبيب، وأتمنى أن يكون عيد الثلاثين من نوفمبر عيدين، عيد رحيل الاستعمار، وعيد التئام الجرح ولم الشتات.
"فضلاً لا تنسوا النبي من الصلاة وأبي من الدعاء."
سليمان عياش
اليمن ثانياً!! 1121