بعيدا عن جغرافيا المناطق وحدود الأرض التي تصطنعها السياسيات ويفتعلها فرقاء العمل السياسي.. بعيدا عن تلك الضغائن والأحقاد التي خلقتها الممارسات (القذرة) فيما بين أبناء الشعب, والعداء الذي أوجدته تلك الألاعيب، يجبرني قلمي على تخطيها والتحليق عاليا غير مكترث ولا مبال بها لأسبر معاناة (أناس) يقبعون تحت وطأة الحرب والنزاعات, ويتخذون من الجبال (بيوتا) ومن السماء لحافا ومن (العراء) سكنا, يرتشفون من دموع الهم والألم شرابا, ويقتاتون من الأنين والانسحاق (قوتا)..
في تلك الجبال, وفي تلك الفيافي, وبين تلك الآكام (شيوخ) رسم الزمان والعمر علامات الإقامة الجبرية على ملامحهم وأضافت لهم النزاعات والخلافات والحروب والدمار (رصيدا) آخر من المعاناة والألم والحزن والعناء, وفي ذات المكان نساء (ثكلى) تحمل بين (جنبيها) فجائع ونكبات وآهات حلت بهنّ جراء الهمجية ولعلعة الرصاص وأصوات المدافع ورائحة الدماء وأنفاس الموت وأشلاء (القتلى)..
وفي ذات المكان أيضا أطفال (يسرحون) ويمرحون ويلعبون ولكن ليس بطفولتهم (المعهودة) في مدنهم وقراهم وإنما بطفولة (عاث) بها العابثون وسرقوا منها الكثير والكثير وأقحموها في (سياساتهم) ونزاعاتهم وحروبهم وخلافاتهم التي لا تنتهي ولن تنتهي طالما والكل يسعى ويلهث خلف مآربه وغاياته وأهدافهم..
في (قيفة) رداع وقراها التي أتت عليها الصراعات والحروب فيما بين المتناحرين والتي حصدت في طريقها الأخضر واليابس والتي أهلكت الحرث والنسل, ودمرت منازلهم وحصدت أرواحهم وشردتهم, فلم تكترث بشيوخ (عاجزين) ونساء (ثكلى) وأطفال في (المهد) وقرى ومنازل (شيدتها) سواعد الكادحين والبسطاء والمعدمين فتهاوت وتساقطت كأوراق الخريف وغدت (أثرا) بعد (عين) وأطلالا يندبها أصحابها..
كسائر مناطق ومحافظات الوطن نالت (قيفة) رداع ما نالها من التنكيل والتشريد والانتهاكات والاستباحة للحرمات والمساس بقدسية (البشر) الذين حرم الله دمهم إلا بالحق, وصان قدسيتهم وحذر من المساس بها من أي طرف كان, فرأيناهم صرعى من التنكيل والهمجية والتشريد والحاجة والحسرة على أنفسهم وأطفالهم ونسائهم بعد أن أحالتهم الهموم والأوجاع إلى أجساد خاوية سكنها الخوف والذعر (والفزع)..
رأينا في (قيفة) رداع من العبث والفوضى والتدمير ما يؤكد أن الشعب في نظر الساسة والمسئولين ما هم إلا تحصيل حاصل وعلى هامش الحياة لا قيمة ولا أهمية لهم, وهو دوما وأبدا هم وقود الحرب (وكباش) الفداء التي تأكله نار المكايدات والمناكفات, وهم دوما من يدفع ضريبة الهمجية واللامبالاة والأحقاد السياسية والكيد والكيد المضاد..
هي دعوة إذن للإنسانية في قلوب البشر إن كانت لا تزال موجودة أن ينظروا إلى هؤلاء وإلى كل من نكلتّهم الحروب وأتت عليهم المشاكل وأحقاد السياسيين, وأن يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعض, فالأيام كما يعلم (الأنام) أنها تداول بين الناس وأن السياسيين لا قرار ولا استقرار لأوضاعهم وأحاولهم, وكلما (خبت) نيرانهم لفترات أشتد (سعيرها) مرة أخرى..
وهي دعوة كذلك للساسة أن يتقوا الله في تلك الألوف من البشر الذين تشردوا بفعل الحروب والمشاكل وتصفية (الحسابات), وأن يفكروا مليا قبل أن يوقدوا نار أي حرب من الطرف الخاسر فيها ومن هم المتضرر الأكبر فيها ؟ ومن سيدفع الثمن من دمه وروحه وماله ومنازله.. والله من وراء القصد..
فهد علي البرشاء
قيفة رداع.. معاناة وأوجاع!! 1097