الكارثة التي نحن فيها هي غياب الدولة ، وحكم القوي على الضعيف، والمنتصر على المهزوم ، ولولا بقية من قِيم لكان الحال أسوأ ممَّا نحن عليه ، وعندما نقول نريد دولة فهذا من حقنا كمواطنين ومن حق أبنائنا ، فالعقلاء في كل دول العالم إذا ضعفت الدولة يهرعون للتضحية وبذل كل الجهود لتقويتها والحيلولة دون انهيارها ، لأنهم يدركون أن انهيار الدولة كارثة على الأمة كلها بما فيهم أولئك الذي يعتقدون أن هذا الانهيار يخدمهم ، بينما في وطننا نرى الأحزاب وقادة المليشيات ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين والإعلاميين وكل النُّخَب يرون الدولة تتهاوى بل ليس لها وجود ، والوطن يتنازعه حراك ممزق في الجنوب ومليشيات مسلحة غير مستندة لدستور أو قانون في الشمال ، وأحزاب تُنظِّرْ في وادٍ سحيق ، وأعلام متوزع مع هذا وذاك ، وحكومة لا تدري أين البداية وأين النهاية ، ورئاسة حاكمة كيزان ، ليس لها من الأمر شئ ، وشعب تائه بين كل هذه الفئات ، لا يثق بأي طرفٍ منها ، أصيب بإحباط ، ويشعر بخذلان الجميع له ، وبوادر مبادرة خليجية جديدة لا نَشُم من رائحتها إلا تمزيق الوطن وإكمال المخطط ، بعد أن أوصلتنا المبادرة السابقة برعاية الدول العشر إلى (اللا دولة) ، وبالمبادرة الثانية سنصبح بلا وطن.
نناشد كل الجهات التي ذكرناها أن يستشعروا الهاوية التي أدخلوا بها هذا الشعب ، ويتناسوا الأحقاد ، ولا يفكروا في المكاسب في هذا الضرف العصيب من تاريخ وطننا الحبيب ، وليعلموا أن المرحلة مرحلة تضحية وليست مرحلة مكاسب، فليكفِّروا عن سيئاتهم ويتناسوا ذواتهم وأحزابهم وفئاتهم ويستشعروا حالة الوطن ، ويفكروا في كيفية إنقاذه قبل فوات الأوان ، وبدون ذلك فإنهم جميعاً خاسرون ولن يكسبوا إلا الخزي والعار ولعنة التاريخ ، فليراهنوا على شعبهم ويعملوا على استعادة ثقته بهم من خلال العمل وليس من خلال الأقوال والشعارات ، ولا يرتهنوا للخارج كلياً ، فهذه الدول ليست جمعيات خيرية ولا دُور لرعاية الأيتام ، ولكنها ترعى مصالحها ومصالح شعوبها ومن خلال ذلك تتحرك ، ولا يعني ذلك اننا نعادي الدول ونقطع صلتنا بها ولكن يكون تعاملنا مع الجميع من خلال مصلحة بلادنا، فوطننا لن يستقر ولن يتحقق له الأمن والاستقرار إلا بإخلاص أبنائه وتوحد صفهم ، ولله در القائل :
لا يرتقي شعبٌ إلى أوجِ العلى .. ما لم يكن بانوه من أبنائه.
نناشدكم أن تتركوا نزواتكم ، وتنتصروا على انفسكم وتتخلصوا من أنانيتكم ، وتُعلوا قيمة الوطن في ضمائركم ، فقد بلغ السيل الزبا ، وبلغت القلوب الحناجر ، وما ينظر الجميع أفظع ، إن لم تصحوا وتعودوا جميعاً إلى سبيل الرشاد.
اللهم اهدهم إلى طريق الخير وصالح الوطن ، وأرنا في شرارهم بدائع قدرتك ، واكفِ هذا الشعب شرورهم بما شئت وكيفما شئت ، إنك على كل شئ قدير.
محمد مقبل الحميري
نريد دولة قبل فوات الأوان 1236