أتاني صوت مذيع الأخبار وأنا في حافلة الذهاب إلى الجامعة بنغمة رتيبة في صباح شتوي بارد بالنبأ:_ نالت اليمن المرتبة الأولى.. ارتفعت معنوياتي حتى كادت تلامس السماء, شطح بي الخيال لقمم شاهقة.. قلت مبتهجة" المرتبة الأولى؟ يا للروعة, ترى في ماذا؟!
أتم المذيع الخبر: المرتبة الأولى على قائمة الدول الأكثر فساداً حسب تقدير منظمة "شفافية" للعام 2014م !!
سقطت معنوياتي لأسفل سافلين, ليس لأني تلقيت نبأ خارج عن مصفوفة توقعاتي لواقع الحال في بلدي الغالي؛ بل لأني سمحت لنفسي بالتفاؤل لوهلة والتحليق في فضاءات الأمل الواسعة والترحيب بسماع خبر سار عن اليمن في هذه الفترة الحالكة السواد من تاريخه!
عدت من رحلتي الخيالية لأرتطم بمشهد الشارع, الناس, وجوه الفقراء البائسة, العمال الكادحين, المهمشين المتمردين عن رفع القمامة من الطرقات والأحياء.. المتسولين, ورجل يسير بملابس نظيفة حافي القدمين يحدث نفسه ويلوح بيديه للا شيء..
"مجنون طازج" يضاف لسرب المجانين قبله.. ثم فجأة احتدمت معركة " العشرة ريالات" بين أحد الركاب والسائق الذي يصر على التسعيرة المجحفة, سرعان ما استسلم الراكب ودفع العشرة ريالات الزائدة.. قلبت بين يدي عملة ورقية "مائة ريال" هل سيستقطع منها سائق الحافلة خمسين أم ستين"؟ كم هي قيمة التسعيرة حسب القانون؟ لا أدري, كل سائق يطالب برقم مختلف!
قفز لذهني فوراً قوله جل وعلا "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" وهذه صورة مصغرة لغزو ميكروب الفساد كوكبنا اليمني!
لا يتكاثر الفساد بغزو خارجي؛ بل هو صناعة محلية, سلوكيات صغيرة يستهين بها الناس, يمررونها بتغافل بتخاذل, فتكبر وتتضخم حتى تغدو وحشا كاسرا يلتهم العدالة وحقوق الضعفاء..
الفساد اختيار من بين بدائل قد تبدو لأول وهلة مكلفة؛ غير أنها على المدى البعيد تصلح اعوجاج الفاسدين من أفراد هذا المجتمع..
لو كل فرد وقف للفاسد وقال له: لا. هذا خطأ, لن أقبل بذلك, وبذل بعض الجهد والوقت في منعه لتوقف الفساد عن تغوله الذي ذهب بالبلاد لهاوية الفقر والبطالة والعنف ونهب مقدرات البلد وأكل أموال الناس بالباطل..!
نبيلة الوليدي
معركة العشرة ريالات..!! 1182