في الوقت الذي تراهن فيه الغالبية العظمى من اليمنيين على حكمة القوى السياسية والمكونات الوطنية في الخروج بالبلاد من أجواء التوتر والتأزم والانقسام الى فضاءات التصالح والشراكة والتعايش والوئام الاجتماعي؛ فإن ما تشهده الساحة اليمنية من توترات وأحداث متنقلة وعنف يشتعل في أكثر من جبهة ومنطقة في ظل انهيار سلطة الدولة وانكماش نفوذها بعد ثلاث سنوات من اتفاق اليمنيين على خارطة طريق واضحة لمسار التغيير في بلادهم واتفاقهم أيضاً في مؤتمر الحوار الوطني على قائمة من الحلول التفصيلية لمشكلاتهم المزمنة والطارئة هو مفارقة تدفع إلى التساؤل : ما الذي حصل وأدى إلى كل هذا الانفلات الذي فتح أبواب الجحيم على اليمنيين الذين كانوا يظنون أن ما توصلوا إليه من توافقات كفيل بإنهاء كل عوامل الصراع ومظاهر العنف والخراب في وطنهم؟
مهما اختلف المحللون والسياسيون حول توصيف ما جرى في اليمن في 21 سبتمبر الماضي هل هو ثورة شعبية أم انتفاضة تصحيحية أم انقلاب على مسار التسوية السياسية والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار؟ فإن هنالك أسئلة تبقى مطروحة: من هي الجهة المستفيدة من خلط الاوراق في اليمن؟ وكيف أمكن لهذه الجهة أن تعيد عقارب الساعة في هذا البلد الى مربع الفوضى ومناخات التأزم والتصعيد والاحتقان الذي يبعث على قدر غير قليل من القلق والتوجُّس؟ ممَّا قد يفضي إليه أو يفرزه من تداعيات وأحداث من شأنها رفع مستويات التصادم بين الفُرقاء المنهمكين بتجاذباتهم السياسية وتصفية حساباتهم مع بعضهم البعض, فالحقيقة أنه وبعد ذلك اليوم قد تغيرت أوراق اللعبة في اليمن وتبدلت تبعاً لذلك قوانين الاشتباك, فما كان خطاً أحمر بات ضوءاً أخضر، ومع تراجع المحاولات المبذولة لتحقيق المصالحة بين القوى المتنازعة والمتناحرة والمتقاتلة فإن الاوضاع الملتهبة على الارض هي من تقترب بهذا البلد من كارثة حقيقية ستكون نتائجها مدمرة على اليمن والمنطقة.
كان أمراً غريباً بالنسبة للبعض أن يتوجَّه كل اهتمام النخب والاطراف الوطنية الى دور العامل الخارجي في إحلال الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في اليمن لتظهر هذه الأطراف وكأنها مستفيدة من استمرار حالة الانفلات والفوضى القائمة, الأمر الذي يدفع الى التساؤل مجدداً : هل هذه الأطراف هي من تشكل ثلاثية (التعقيد والتشابك والتأثير)؟ أم أنها مجرد أدوات صغيرة في لعبة أكبر؟
الجواب في ظني أن الحلول فشلت لأن الانقسام في اليمن هو جزء من مخطط إعادة ترتيب وضع المنطقة أي أنه ليس بعيداً عن المعادلة الشرق أوسطية الجديدة التي يجري طبخها على نار هادئة بالاستفادة من الانقسامات التي انهارت بسببها أنظمة المناعة الذاتية في بعض الاقطار العربية.. فهل يدرك الفرقاء الذين يتقاتلون من أجل السلطة والنفوذ في اليمن حجم الخطر الذي يتهدد وطنهم؟ وهل يدرك هؤلاء المتعنتون والمكابرون أنهم الذين يقودون بلادهم إلى الهاوية؟ وهل يعي هؤلاء الذين يدمرون بلادهم بغباءٍ شديد أن مجريات الصراع قد تُفلت من أيديهم وأن عامل الوقت وسرعة تداركه قد يكونان هما لحظة الفرار من الهلاك؟ وهل يمكن لليمنيين أن يستوعبوا في هذه اللحظة الصعبة والحرجة أن العامل الخارجي يظل في كل الحالات العنصر الرئيس والأساس في موازنتي الاقلاق والاستقرار؟، وهي معادلة قد تكون متنافية أو غير معقولة في الحسابات المنطقية لكنها تبقى هي اللعبة الواضحة في جميع التسويات التي تجري في المنطقة والتي يصبح فيها مصدر القلق هو نفسه مصدر الاستقرار.
*"الرياض" السعودية.
علي ناجي الرعوي
التساؤلات الحاضرة في اليمن! 1690