اليمن كلبنان دفع أثماناً باهظة من الفوضى الموروثة والمولودة، فكلّ ما جرى كان البحث عن طريق يفضي لحل تناقضات قبلية ومذهبية، وهيمنة زعامات وأحزاب مدعومة من قوى تتقارب معهما، أو تتباعد وفقاً لرياح الولاءات..
الشعب ليس لديه مشكلة مع بعضه فقد عاش تاريخه وطنياً حتى لو برزت تباينات اجتماعية لم تمنعه رغم رفع شعارات قومية ويسارية ووحدوية، وصل قادتها إلى صدر الدولة، ومع ذلك ظلت الطبيعة الغالبة هي البحث عن حياة استقرار وتنمية، وهي تجارب وجد فيها اليمنيون مضيعة وقت، لكن الفوضى الراهنة، جذبت اليمنيين للإطاحة بالنظام السابق، لأنه استنفد غاياته ووجوده نتيجة تقلباته وتحالفاته مع من يبقيه في الحكم مرحلة أطول رغم الفرص التي أتيحت له بأن يحيّد اليمن عن الصراعات، ويبدأ بوضع سياسات تربوية واقتصادية واجتماعية تجنبه مزالق غيره..
الوضع الراهن أخذ تطوراً آخر ليس جديداً على اليمنيين، لكنه جاء ليعطي دوراً لجهات أجنبية وخاصة إيران التي أعلنت بفرح وكبرياء أنها دخلت اليمن وأن البحر الأحمر أصبح قناتها التي تتحكم بها من خلال أنصارها الحوثيين، وحتى لا نصل إلى القناعة بالتفسير الإيراني أو مباهاتها بقوتها، فاليمن لا يحتاج إلى حزب أو طائفة تحل بديلاً عن النظام السابق، حتى لو كان نفسه جزءاً من الواقع الجديد، بل للاستقرار وهو الأمر المستحيل في ظل أزمات اقتصادية متلاحقة لا تستطيع إيران أو ممتلكات من يديرون اللعبة توفير بعض الالتزامات الأساسية مثل دفع الرواتب والصرف على الأمن وتأمين الغذاء والدواء، وخاصة حين يمتنع المانحون، باعتبار أن ما يرفعه الحوثيون من شعارات مضادة لبعضهم، عن دفع المعونات أو القروض، وهي ليست عقوبات موجهة للشعب، لكن من خلال سوابق ماضية كانت تلك المعونات تذهب لغير غاياتها لتصرف على توجهات تغاير الأهداف التي يجب أن تتجه لها..
دول الخليج قدمت واجباتها وسعت لقبول المصالحة الوطنية من خلال الحوار لا إطلاق الرصاص، وكان المشروع مباركاً من الساسة اليمنيين إلى أن تغيرت موازين القوى وجاء الحوثيون ليسيطروا على العاصمة وبقية المدن، ويعلنوا ولاءً من جانب واحد لإيران ومنطلقاتها، فكان لابد من التريث لرؤية تطور الأحداث وإلى أي مدى تصل وتنتهي، وفي هذه الظروف، وبغياب قوة الدولة ومؤسساتها وتشرذمها بين جبهات أخرى، صار السؤال لمن يحاولون المساهمة في طرح حلول جديدة، أنه مع من تتفاوض تلك الجهات طالما الحكومة بلا سلطة، والوجه الواضح لتحالفات يهيمن عليها الحوثيون، يبعد أي تصرف يأتي من دول مجلس التعاون أو غيرها، إلا إذا كانت الجامعة العربية تريد أن تدخل كعامل مقبول في وقت نعرف أن الوضع العربي في أقطار عديدة بما فيها اليمن لا يساعد على جعل المبادرات تصل إلى حلول يلتقي حولها الفرقاء لطريق سالك..
الرحلة شاقة والحالة الراهنة تستدعي حواراً داخلياً بمبادرات من كل الأطراف لأن الحل الخارجي بدون أرضية توافق بين الجميع، لن يكون مجدياً، والمسؤولية تقع على تلك المجموعات إذا ما رغبت أن تتجه إلى ما يجنب بلدها منزلقات أخرى وتحويله لساحة خلافات وحروب يربح بها الطرف الخارجي، ويخسر بكليتها الشعب الذي دفع أثماناً لا يريد تكرار مآسيها..
الرياض السعودية
يوسف الكويليت
فرقاء اليمن..المشكل سياسي أم أزمة وطن؟! 1248