التباينات السياسية المعقدة جليد يذيب القواسم المشتركة ووجهات النظر المتطابقة حول إشكالية الراهن التي أصابت وحدتنا الوطنية في مقتل بيد أن دوام الحال من المحال ليصبح الانقسام داءً عُضالاً يصيب اليوم أمشاج النسيج الاجتماعي الواحد ويدفع باتجاه مزيد من التشظِّي والتشرذم في وحدة الصف الوطني لقاء التعبئة السياسية المضادة الخاطئة, فالمجاميع السياسية والحزبية تتعاطى في المحيط السياسي على أساس الفعل وردة الفعل والتفاعل الوقتي مع الحدث عديم الجدوى والفائدة في سبيل تجسيد أماني وتطلعات الفصيل السياسي دونما اكتراث لمساوئ تغليب المنفعة الحزبية على ما عداها في اتجاه تمثل الانغلاق السياسي المولِّد للغلو الكارثي في مجافاةٍ للاعتدال والوسطية في الفكر والمفهوم وفي مصفوفة الوسائل والأدوات والأساليب السياسية والحزبية.
على أن التعصُّب السياسي يهون في مقابل التعصب المذهبي والطائفي, فحينما يَدلِهم الخطبُ وتتعالى الملمَّات وأردنا الكشف عن السبب فإن التعصب المذهبي حتماً سيكون في المقدمة كباعثٍ أساس في توتير الحال الأمني وإقصاء الحكمة والتعقل من على المسرح السياسي والاجتماعي في إيذانٍ جريء لانتهاج سبيل العنف والإرهاب في محاولاتٍ بائسة لفرض الأحادية المذهبية وعدم القبول بالآخر ممَّا هو دائر في وطننا الثاني العراق الذي لم يتمكن من لملمة جراحاته النازفة لتنطحه الفتنة المذهبية وتأتي على الأخضر واليابس في حاضرة السليب ومستقبله المجهول المتزلف للأشقاء والأصدقاء بُغية إيقاف رحى الحرب الدائرة بعد التدخلات الممنهجة من المجتمع الدولي.
ولكي تكون عند مستوى المسؤولية وحُسن الظن والنوايا الحسنة يحب علينا ابتداءً أن نكاشف أنفسنا بالوقوف الخلاق والحازم أمام مشكلاتنا وأزماتنا السياسية والمذهبية بهدف المعالجة الواعية قبل أن يستشري الداء العضال ونندم في الوقت الذي لا يُجدي فيه الندم, محلِّقين في سماء المثابرة والاجتهاد والمعالجة الناجعة القائمة على مبدأ الوضوح والشفافية لندلف إلى تقرير حقيقة دامغة مفادها أن الأوطان في مسيس الحاجة إلى الأمن والاستقرار والهدوء السياسي والاجتماعي بعيداً عن التصادم ومزالق الاحتراب المذهبي ما يفرض إطِّراحاً وتخلياً عن التعصب المذهبي الممقوت بإذكاء روح التعايش السلس والآمن بين أهل التباين المذهبي في هذا الوطن الفسيح الواسع باعتبار ذلك التعايش حلقة من حلقات الوفاق والتوافق, هذا فضلاً عن أن التعايش السلس الآمن ركيزة هامة من ركائز الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي على قاعدة الإضرار لنتعاون على ما اتفقنا عليه ويعذر بَعضُنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
فقمينٌ بنا أن نرفض كافة أشكال التعصب السياسي والمذهبي, ونعمل على التأسيس لدولة مدنية اتحادية حديثة ديمقراطية تتنافس فيها المكونات السياسية والاجتماعية على تقديم أنماط الخدمات للمواطن المسكين البسيط الغلبان فليس عيباً أن نتمذهب إنما العيب يكمن في التعصُّب المذهبي الأعمى الذي يقود النفوس إلى ما يُعاب, فأبو حنيفة النعمان ـ رضي الله عنه ـ يقول إن صح الحديث فهو مذهبي, فعلينا أن نجتهد ونقدم مشاريع حية للتعايش السلمي السلس الآمن في ظل السلم والشراكة والظنية المثلى وعدم إقصاء أو تهميش أي طرفٍ من الأطراف السياسية مهما كان حجمها ورصيدها النضالي, فنحن أهل إيمان وحكمة, كما امتدحنا النبي والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم حيث قال: "الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية والفقه يمان" كما أننا معشر اليمانيين أرق أفئدة وألين قلوباً, كما أخبر بذلك نبينا ورسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بقوله: (آتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة), فلندع الهرج والمرج وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق مندفعين اندفاعاً كبيراً إلى أحضان التعايش السلمي السلس الآمن مغلِّبين المنفعة الوطنية العليا على ما عداها من منافع ضيقة لتقول لكم تعايشوا تأمنوا.. وإلى لقاء يتجدد بكم والله المستعان على ما يصفون.
عصام المطري
تعايشوا تأمنوا..!! 1295