لم أتوقع يوماً أن تتحجر القلوب, وتتجمد الدماء, وتتبلد المشاعر, وتتعطل الأحاسيس,وتخلو الأجساد من الأرواح, وتموت الإنسانية, وتنتحر الآدمية, وتغدو الأجساد (هياكل) تترنح دون مشاعر أو أحاسيس أو آدمية, ويتجرد بني البشر من كل ما له صلة بالدين والإسلام (والنهج) السوي..
لم أتوقع أن (يتعطش) الإنسان للدم كتعطشة للأكل والشرب (ويتلذذ) بسفكه كتلذذه بمأكله ومشربه دون أن يردعه دين أو ضمير أو حتى بعضاً من إنسانيه تقف حائلاً بينه وبين تلك الوحشية والعدائية، التي غدت بين ظهرانيه (وسلخته) من المبادئ والأخلاق والقيم, وبات منصاعاً لها يلبي رغباتها وينفذ أوامرها وأجندتها دون أن يوقفه شيء..
لم أتوقع يوماً أن تستباح (قدسية) الإنسانية وكرامته وتنتهك حرمته ويسفك دمه تحت ذرائع وحجج وأعذار أوهن من بيت (العنكبوت), وتحت (مسميات) ما أنزل الله بها من سلطان، إنما هي من وحي ومن وسوسة الشيطان, ومن دناءة من يعبدون المال ويقدسون الأسياد ويسيل لعابهم للريالات وتزغلل عيونهم للدراهم..
لم يدر بخلدي يوماً أن يغدوا الإنسان (قنبلة) موقوتة قابلة للإنفجار في أي لحظة يتحكم بها فاقدو الضمير والأخلاق والمبادئ وحتى الدين, ويسلطونه على بني جنسه وجلدته يعبثون بهم ويعيثون فيهم وينكل بهم ويشردهم ويرهبهم ويرعبهم ويبث الذعر والخوف والتوجس بين ثناياهم غير مكترث ولا آبه بأي شيء, همه إشباع (نهمه) وإرضاء (غريزته) الحيوانية التي تعشق الدماء حد الثمالة وتهوى الأشلاء حد النخاع..
لم يدر بخلدي أن أرى (جثث) الأطفال يمزقها الآباء لتغدو أشلاء متناثرة أختلط فيها (الحبر) بالدم والتصقت الأوراق بالأوصال وتشوهت الملامح وتبدلت الوجوه وتغيرت المعالم وامتزجت ببعضها البعض لتغدو أجسادا في جسد ودماء في دم واحد , في مشاهد أتعجب كيف لبني الإنسان أن يصنعها وبالذات المسلمون منهم, مشاهد تزلزل الكيان وتزيغ منها الأبصار وترتعد منها الفرائص وتدمع لها القلوب قبل العيون..
أطفال في عمر الزهور (تفحمت) أجسادهم وتناثرت هنا وهناك وقضت الوحشية والهمجية والتبعية على براءتهم, واختصرت وبكل وحشية ربيع أعمارهم وأوقفت قطار رحالات أعمارهم قبل أن تشتد أعوادهم وتقوى سواعدهم, ولم تكترث بتلك (البراءة)، التي تغلفهم وتعتلي ملامحهم, وذلك ( الطُهر) الذي يشع من جوانحهم, بل كان جل همها أن (تنتقم) فقط من الكل (بذبح) أطفالهم وسلب أرواحهم الطاهرة..
يرقصون (طرباً) وينتشون (فرحاً) كلما ارتوت الأرض من دماء الأبرياء, وكلما ساد الحزن على الأرجاء أو خيم البؤس على الثنايا, وكلما سالت الدموع من المحاجر وتفطرت القلوب ألماً على فلذات الأكباد..
فهد علي البرشاء
حينما تقتل الوحشية الطفولة والإنسانية! 1327