الواقع محبط ومخيف, لكن ذلك لا يعني استحالة سبره وإصلاحه. ما يفزعني حقاً ليس الواقع البائس الذي يتراءى للبعض باستحالة إصلاحه، وإنما فزعي سببه وهن وضعف الأداة السياسية المعول عليها إنقاذ البلد وفي ظرفية استثنائية كهذه التي لا تحتمل الوهن والتراخي أو الخوف والتردد .
ففي مثل هذه الوضعية المتردية هنالك فقط جرأة وشجاعة وقوة إرادة، أما الوهن والتراخي والخوف فذاك لا يعني غير الفشل والفوضى والسقوط في مجاهيل ما قبل الدولة والنظام .
نعم كنا وإلى وقت قريب نتحدث عن رئيسين سلف وخلف، الآن بتنا نتكلم عن ثلاثة رؤساء وثلاثة أقطاب وثلاثة جيوش وثلاث دويلات وثلاث قنوات رسمية وثلاث مبادرات وووإلخ . طبعاً الحديث هنا لم يشمل رئاسة البيض ولا جمهورية الجنوب أو أقطاب حراكه أو جماهيره الهادرة الثائرة بعيدا عن أسوار العاصمة صنعاء .
وإذا ما نظرنا في مجمل الحالة الوطنية فبكل تأكيد هنالك احتمالات كاثرة تحيط بالعملية السياسية العاثرة ، فكل واحد من هذه السيناريوهات يعبر عن ذاته وهدفه وان بطرق وأدوات وأوقات متفاوتة ، لكنها جميعا في المحصلة نتاج لهذه الحالة المتعثرة العاجزة عن فعل سياسي استثنائي يمكنه إخراج اليمنيين ودولتهم التي مازالت وحتى اللحظة غائبة ومفقودة مجهولة .
قيل بان أمريكا نتاج مغامرة مجنونة ، نحن لا نريد المغامرة بقدر ما نريد رؤية محاولة جادة وجريئة ،نعم جرأة وشجاعة وقبلهما بالطبع النية والإرادة الفولاذية التي بمستطاعها تجاوز هذه الحالة الرديئة .
كيف لا وهذه الجرأة والشجاعة تتوافر لها عوامل نجاحها وبما يجعلها ممكنة ونافذة ،فهذا المجتمع المفكك الممزق بات منهكا متطلعا لحضور الدولة ، وتلك القبيلة والطائفة والمذهب والجهة صارت اليوم جاهزة منتظرة عودة سلطة الدولة إلى مساحة شاغرة إلَّا من تناحر فرقاء لحظة الفراغ الطافحة بالمكنونات الدخيلة الأنانية الذاتية أكثر من كونها معبرة عن الأفكار والرؤى الوطنية الجمعية .
حالة الانتقال واللا انتقال ،التوحد واللاتوحد ، الثورة واللاثورة كان من تجلياتها هذه الوضعية الرديئة الطافحة الآن بافرازاتها النتنة القذرة . المواطن البسيط صار متعبا ولدرجة انه يستوقفك قائلا : لتذهب كل الشعارات إلى الجحيم ، أريد حياة كريمة مستقرة ولتكن هذه الأشياء من دولة الشيطان .
حقيقة لا أود الكلام عن وحدة أو تجزئة أو فدرلة ، فالمهم الآن هو الدولة الغائبة المفقودة إلَّا من بعض مظاهرها وحضورها الخافت المنحسر يوما عن يوم ، وعندما نقول بضرورة استعادة سلطة الدولة وقوتها ؛ فلأننا ندرك ونعلم بانه لا امل يرجى في الخيارات الأخرى المتصارعة الآن ، فأياً بدى لكم هذا الخيار ممكنا وقريبا ؛ لكنه وبزوال ما بقي من هيبة وسطوة الدولة سيصير خياراً كارثياً فوضوياً وائداً لأحلام وتطلعات اليمنيين وأين وجدوا وحلوا ؟ .
محمد علي محسن
ثلاثة رؤساء !! 1460