في مثل هذه الأيام من العام الماضي طلب مني أحد الصحفيين أن أكتب مقالاً عن العام الجديد2014م لينشره بالصحيفة التي يشتغل فيها والتي تتحدث بلغة أجنبية وكان مقالي بعنوان (الجديد في العام الجديد) وكان عبارة عن تخرصات مستقبلية مبنية على معطيات وواقع وبطبيعة الحال, فكل ما كانت المعطيات واقعية وواضحة المعالم وكاملة الأركان فإنه يعطي تصوراً واضحاً ودقيقاً ويكون الحدس حينها هو عينُ الحقيقة، ولتتابع الأحداث وكثرة المتغيرات قررت الكتابة عن اليمن بين عامين.
ففي خضم المتغيرات والتحولات التي تدور رحاها مع مرور الأيام وتعاقب الزمان يظل الثابت فيها هو المواطن اليمني البسيط ومنسوب التفاؤل والأمل بالمتعاقبين على كرسي الحكم والسلطة ومع أن الطلب من أولويات المهام والواجبات التي ينبغي أن يوفرها الحاكم وهي أن يكون المواطن آمناً في سربه معه قوت يومه وهاتان المسألتان هما الأساس في التأثير بالرأي لدى الأغلبية الصامتة لذا سيكون حديثنا عن اليمن بين عامين من خلال هاذين المحورين .
وقبل أن ندلف الى لب موضوعنا نعرج قليلاً على بعض التنبؤات عن صراعات المرحلة القادمة وهذا لا يمكن معرفته بدون معرفة عوامل التأثير الخارجية .
فبعد أن اكتملت أركان المشروع الإيراني في المنطقة متجاوزاً بذلك الهلال الشيعي وصار ظاهراً للعيان.
وكما أفادت وكالة تسنيم للأنباء المقربة من الحرس الثوري، أن مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية ورئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، على أكبر ولايتي قال، إن قدرات إيران في المنطقة اليوم ليست خافية على أحد، وأن الجميع مضطر للاعتراف بها، وقال إن نفوذ إيران بات يمتد اليوم من اليمن إلى لبنان الأمر الذي لم يتصوره أحد أبداً.
سيبدأ تقليم أضافر المشروع الغربي والتي تمثل بعض دول الخليج أهم أدواته في المنطقة، ومهما تحدثنا عن التعاون والدعم اللوجستي الغربي لذراع إيران في اليمن والذي ينطلق من سياسة محاربة القاعدة إلا أن المشروع الايراني سيصطدم مع المشروع الغربي لامحالة فكلاهما مشاريع تحكمهما البرجماتية..
وقد ذكر الكاتب: بيترسالزوري في مقال له بعنوان (في اليمن العدو الأكبر لتنظيم القاعدة ليس صديق أمريكا) وذكر فيه أنه رغم التعاون الكبير في محافظة البيضاء ومنطقة المناسح إلا أن واشنطن تصف تحركات الحوثيين بإثارة مخاوف أمنية لذا أدرجت في نوفمبر أثنين من قيادة الحوثي بقرار العقوبات الأممي .
وهذا أكيد سيكون مصدر قلق وإزعاج للجارة الشقيقة المملكة العربية السعودية وهي بالتأكيد لاعب قوي في المنطقة وعامل مؤثر على اقتصاد اليمن واستقراره ما يجعلها ربما تخرج عن صمتها ولاتقف مكتوفة الأيدي أمام هذه السياسة التي تجلب الكثير من المخاوف فهي تهيئ الأرض الخصبة للطائفية التي ما دخلت بلد أمناً الا روعته ولا غنياً الا أفقرته، إضافة الى تهديد الانهيار المالي للدولة حيث والاقتصاد اليمني يعتمد اعتمادا كبيراً على الدعم الخارجي والخليجي بالذات وفي هذا الصدد يقول مصدر كبير في وزارة المالية اليمنية إن الدولة لن تكون قادرة على دفع مرتبات الموظفين لبقية عام 2014م وصرح بهذا وزيرة الاعلام الاستاذة ناديه السقاف.
وأنا أذكر هذا لأهميته ولتأثيره على المرحلة القادمة فإن هذا يؤدي بطبيعة الحال إلى المزيد من الاحتراب الداخلي وظهور جماعات العنف ويهيئ الأرض الخصبة لتذكية نار الطائفية وإذا لم يتدخل العقلاء في لجنة صياغة بوضع حدا للمغرضين فإن الدستور سيحمل لنا صراعا آخر يعيدنا إلى عام 90م يسمى صراع الهوية.
ويبدوُ أن مشروع إيران في اليمن سيكون خليطا من مشروع العراق الطائفي والإقصاء للسنة والسيطرة على مؤسسات الدولة تدريجياً حيث بدأ مسلسل التهجير مبكرا والقتل بالهوية, وبين المشروع اللبناني وعدم الظهور في السلطة بشكل دستوري ورسمي ولكن يدعو القوى السياسية الأخرى للمشاركة في العملية السياسية مع تقوية جانب المليشيات المسلحة على حساب إضعاف جانب الدولة والجيش إضافة إلى حصارهم التام لمكان صنع القرار السياسي والسيطرة عليه .
أما اذا تحدثنا عن اليمن بين عامين فلاشك أننا سنجد ثمة فروقات في عدة جوانب بين عام ودعناه وبين عام نستقبله.. ففي العام المنصرم كان الشعب اليمني لايزال يزخر بزخم ثوري كبير كان من أهم منجزاته تحرير منصب أعلى رجل في السلطة والحوار الوطني إجمالاً والنجاة من الانزلاق في أتون حرب أهلية وسرعان ما تحركت القوى التقليدية بخطوات وطيدة للسعي لإطفاء جذوة فبراير وفرحته ليأتي عام 2015م وقد تمت عملية الانقلاب بنجاح.
والحقيقة أن مؤشرات المرحلة القادمة تدعونا للتوجس أكثر سيما في ظل التوسع والتمدد بقوة السلاح وتهميش دور الحكومة وتقوية طرف سياسي واحد على حساب بقية الأطراف, ينذر بأن البلاد دخلت في مرحلة جديدة من الصراع الهوية والمذهبية والطائفية والجهوية.
أما بالنسبة لجماعات العنف خارج إطار الدولة فقد رسمت الازدواجية الدولية في التعاملات صورة معقدة لدى المواطن, حيث تقوم بمحاربتها في مكان وتسهل سُبل دعمها في مكان آخر وهذه الصورة المشوشة لدى المواطنين لاشك سيكون لها انعكاسها السلبي على نهضة وتنمية البلد والقضاء على مقدراته .
وما يمكن أن يدركه الجميع أن النزوح نحو تقوية المليشيات المسلحة والزج بهم بالقوة في الجيش ومحاولة القضاء على ما تبقى من الدولة مع عدم التطرق لأمور التنمية الأخرى سيوقعنا في كارثة اقتصادية كبيرة ويتبين ذلك من التعيينات الجديدة التي تقوم بإقصاء والخبرات الكفاءات واحلال العسكريين بأماكنهم..
ولا يمكن لأحد أن يتفادى هذه الكارثة الناتجة عن عسكرت كل شيء في البلد وتجميد جانب التنمية والبناء وقد تنبهت الحكومة لذلك فقامت بعمل كلما بوسعها من استجداء الدول المانحة والدول الشقيقة واتخذت التدابير المتاحة لها إلا أنه ومع الهجمات المتكررة على خطوط أنابيب تصدير النفط فقدت الحكومة مصدراً هاماً من مصادر إيرادات الدولة، في حين أن مبالغ القادمة من الضرائب والخدمات العامة هي محدودة. ولذلك، لجأت الحكومة إلى إصدار سندات وأذونات الخزانة وبأسعار فائدة مرتفعة نحو 15 في المائة لتمويل ميزانيتها "كالمعمول بها في بطاقة الائتمان"..
ورغم الدعم السعودي السخي والذي بلغ الى 4 مليارات دولار منذ مطلع العام 2012م وتسلمت اليمن مؤخراً حوالي ملياري دولار نقداً في اجتماع يوليو بين هادي والملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. وكذلك الدعم القطري كان حاضرا وبقوة ، ففي ديسمبر 2013م، تعهدت قطر بتقديم 350 مليون دولار كتعويضات لضباط الجيش وموظفي الخدمة المدنية ممن أجبروا على التقاعد، وملاك الأراضي ممن نهبت أراضيهم بعد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 1994م. تم تحويل الدفعة الأولى بقيمة 150 مليون دولار للبنك المركزي اليمني بعد فترة وجيزة من توقيع الاتفاق ,
ورغم كل هذه الأموال إضافة الى عائدات الضرائب والنفط والغاز المحلي فإنها بحسب بعض السياسيين والاقتصاديين تم صرف هذه الأموال على مدى السنوات الثلاث الماضية, وقال مصدر مسؤول إن معظم المبالغ انتهى بها المطاف إلى "ثقب أسود". وإن عددا من الوزارات الحكومية والمؤسسة العسكرية صار فيها فورة توظيف منذ عام 2011م، في حين تتدهور الخدمات والأوضاع الأمنية في البلاد. وفي حين أن صنعاء وغيرها من المحافظات لم يطرأ عليها أي أعمال استثمارية أو في البنية التحتية مع أن هذا النوع من الإنفاق من المفترض أن يتيح نمواً و زيادة فرص العمل. ومن ناحية أخرى فأن الفساد المستشري في أروقة الحكومة قد زاد.
وفي ظل تدهور الاقتصاد المحلي والمصاحب للتدهور الأمني وسيطرة المليشيات المسلحة على مفاصل الدولة فإن ثمة خطراً آخر يهدد البلد وهو ارتفاع وتيرة الدعوة إلى الانفصال وتراجع بعض القوى السياسية التي كانت ترفض فكرة التشطير والانصياع لرأي الشارع الجنوبي في حق تقرير المصير .
كل هذه الأمور وغيرها يمكن لليمنين تجاوزها إذا حكموا العقل وتعاملوا مع هذه القضايا بنفس وطني صادق بعيدا عن ثارات الماضي والارتهان للخارج..
وفي الأخير أكرر القول أنه إذا عجز اليمنيون عن حل مشاكلهم فلن يستطيع أحدٌ حلها.
بسام الشجاع
اليمن بين عامين 1557