عندما يحكم الصبيان بلد؛ يكون المستقبل القريب فيه شبيه بالماضي البعيد، وتكون الغوغاء إحدى سلطات الدولة، ويكون معيار التعيينات "لكل لحيه مشط"؛ ويقوم الحكم على رضا صاحبك البعيد ولا أخوك القريب، ويكون الصميل سيد الموقف، وتكون الكفاءة من شهداء الثورة، وتكون الاتفاقات "كلام قات"؛ وتكون الديمقراطية أزمة وعدت، ويكون المؤيد وكيلا، والمعارض عميلا، ويكون الجيش لردع الأمن، والكبير يطيع الصغير، والصغير يعطف الكبير، والوزير يحترم المدير، والمدير يحاسب الوزير.
عندما يحكم الصبيان بلدا؛ تكون من أكبر المنجزات، سقوط حرمة البيوت، ومن لا يمجد القوي يلزم السكوت، ولا تتحرك الدولة إلا بالريموت، ومن يفضل العيش بكرامة عليه أن يموت؛ عندما يحكم الصبيان بلدا؛ لن تجده أكثر من مسرح للتفاهات؛ ومنفى للأزمات والمناكفات؛ وأرض خصبة تنمو فيها المتناقضات؛ وملاذ آمن للممنوعات؛ وميدان يعج بالموبقات.
عندما يحكم الصبيان بلدا؛ ستجد واقعة هكذا وأكثر؛ ستجد القيم كل يوم أكثر من ذي قبل تتناثر؛ وتحف أرجائه المخاطر؛ ولن يكون له في الازدهار مستقبلا ولا حاضرا.
ماذا عسى شلة "السوء" أن تقدم لوطن تألم الكثير، سوى أن تقوده إلى سوء المصير، وفوهة السعير؛ تلك الأحقاد الباقية من نفايات الماضي الدفين، التي حاصرت الوطن قرونا وسنينا، واستأثرت لنفسها بالحرية وتمتعت باستعباد الآخرين.
كل شيء ضاع أمام انتهاكاك تلك العصبة السيئة بمقدرات وطن بأكمله؛ ولم يبق سوى أن نقول رحماك يا الله بوطن استوطنته الهمجية، واستشرت في جسده الفوضى، وتكالب عليه الأعداء، ونهشته الكلاب، وتردى به الحال حتى أصبح على ما هو عليه من البؤس والإنهاك والشقاء.
وتلبدت في سمائه غيمات التفرقة والشتات الهوجاء، وعانق حاضره ماضيه البغيض، وضاع مستقبله المأمول، في طيات واقعة المريض، وتقاسمت سيادته نفوس الشر التي تهديه الحضيض.
وخنع أبناؤه لموجة الاضطهاد المتدفقة من قوة ضعفهم، وطاعتهم المفرطة، واستسلمت فيه الإرادة الوطنية لقيود الإرادة الخارجية، وتشابكت فيه الخيانات حتى حبست عنه أنفاس الحياة المثلى، وتدافعت فيه المشاريع الضلالية حتى قتلت فيه الروح الوطنية، وتوغلت في أحشائه المآسي حتى أصبح بين شرف الموت و إهانة الحياة.
ولا يبقى للقول شيء يمكن البوح به سوى أن أقول:
رحماك يالله بوطن لم يبق له سواك، بعد أن خذله من أبنائه، "الحاكم" و"المنقذ" و"الحاقد" و"المنتقم" و"المستغل" و"الناصر" و"القاصر" و"الأجير" و"الكبير" و"الصغير" وكل طابور أبنائه من "الأول" إلى "الأخير".. لست أجد شيئا أقوله فقد ضاع كل شيء ولم يبق سوى، "رحماك يا الله"...))
حسين الراشدي
عندما يحكم الصبيان بلد...!!! 1354