بقليل جداً من مساحات الحياة المستقرة وبكثير من مساحات الحزن والعذابات وعدم الاستقرار في اليمن عشنا عامنا المنصرم 2014م وها نحن نودعه، والسؤال الذي يطرح نفسه هو من الذي كان المتسبب الحقيقي لصنع تلك العذابات المختلفة في اليمن؟ وللإجابة على التساؤل أعلاه فإننا نؤكد أنه- ومنذ انطلاق ثورة 11 فبراير السلمية في عام 2011م- كان كل يمني حر يؤمل أن تخرج البلاد مما هي فيه من معضلات مختلفة، ودخلنا في فترتين انتقاليتين وبعد مؤتمر الحوار الوطني ظلت طموحات الثوار متحفزة في أن تصل الثورة لتأسيس الدولة المدنية الحديثة ولكن حصل مالم يكن في الحسبان حيث دخل لاعبون جدد في المشهد الثوري والسياسي واختلطت الأوراق واندلعت الحروب هنا وهناك و كثرت الاختلالات الأمنية في البلاد وزاد ضعف حضور الدولة في معظم محافظات البلاد ودخل في المشهد السياسي أيضا لاعبون إقليميون ودوليون مساندون لبعض قوى الثورة المضادة لهم مصالح مختلفة.
وفي ظل هكذا وضع سقطت عمران في يد مليشيات الحوثي في يوليو 2014م وتلتها صنعاء في 21 سبتمبر من العام نفسه بل سقطت بعض المحافظات خيانة في يد مليشيات الحوثي بالتعاون مع الرئيس السابق في ظل صمت مريب من الرئيس هادي وعندها تراجعت ثورة الشباب وربما صار المشهد معقدا يشابه إلى حد ما ما كان عليه المشهد بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م من تباينات ومواجهات ووثق ذلك الشاعر البردوني حين قال :
والأباة الذين بالأمس ثاروا.. أيقضوا حولنا الذئاب وناموا
ربما أحسنوا البدايات لكن.. هل يحسون كيف ساء الختامُ؟
إن القارئ للوضع اليمني خلال عام 2014م يدرك أن هناك مخطط غير عادي بد أ تنفيذه يستهدف اليمن بمباركة إقليمية ودولية وبأياد يمنية وأن هذا المخطط يأتي في إطارين، إطار تحقيق مصالح تلك القوى مجتمعة و إطار التصارع اللامحدود بين تلك القوى وغيرها على اليمن، ففي 25 يناير الماضي انتهى مؤتمر الحوار الوطني بعد عشرة أشهر من الحوار كان الأمل كبيرا في الشروع في تنفيذ مخرجاته لكن لم يتحقق ذلك وظل حلم الدستور قائما وكذا الأقاليم والدولة المدنية الحديثة، إننا نؤكد هنا أن مالات الوضع الحالي يتحملها الجميع لكن كان هناك لاعبون حقيقيون كان لهم الدور الأكبر في الوصول باليمن إلى هذا الوضع وكذا عدد من الأسباب لعلنا نستطيع أن نوجزها بالآتي: ضعف رئاسة الجمهورية والحكومات المتعاقبة، لعبة هيكلة الجيش التي لم تصدق، ضعف الجيش اليمني وتشظيه لعدم قيامه على أسس وطنية، هشاشة وضعف البنى الحزبية في اليمن وكذا منظمات المجتمع المدني، الأحقاد والثارات بين المكونات المجتمعية المختلفة، بروز ثورة مضادة مدعومة خارجيا تمثلت بحركة الحوثي المدعومة من إيران، وكذا عودة الرئيس السابق بكل إمكانات الدولة للثأر ممن ثاروا عليه في 2011م متحالفا مع الحوثي ومنسقا معه ومتزعما بالسر لكثير من الاختلالات في الساحة من تفجير النفط والغاز والكهرباء والاغتيالات وغير ذلك. كما برز تنظيم القاعدة ليزيد المشهد تعقيدا وفوق هذا كله ظلت سلبية الرئيس هادي وخاصة في العام المنصرم مثار شك وريبة وتزداد الريبة حوله لأمرين :صمته إزاء تغول مليشيات الحوثي، واتهامات له بالتحالف معها وتحقيق مآربها في التعينات العسكرية والمدنية.
إن اليمنيين ومع مطلع عام 2015م يتطلعون لأن يكون عاما مختلفا فلقد أسقط الرئيس الشرعية عن نفسه بمواقفه اللامسوؤلية ولا يمكن أن تكون هناك أي قوة لها شرعية مهما ملكت القوة في البلاد ومهما فرضت من أمر واقع مالم تُجرى انتخابات رئاسية مبكرة وإنهاء هذه الفترة الانتقالية القاتلة للخروج من الوصاية التي دمرت البلاد ولا نعلم إلى أين سيكون المصير في ظل هذا التشظي القائم.
غالب السميعي
ومضى عام 2014م 1344