نشعر بالسعادة حين ننجز عملاً ما سواءً كان اعتيادياً أم خارقاً، بينما تتملَّكنا التعاسة حين ننُخفق في عملٍ ما مهما كان صغيراً أو روتينياً.. لنفس الإنسان طبيعة راقصة، فيها جبالٌ وأشجار وجداول وكُثبان، فيها شمس وأنْجُم وشفق، وقمر، فيها ضفاف وأسواق ومنارات وسفن تغادر وتعود لتبدأ رحيلها نحو الآفق من جديد... إنها نفس الإنسان ذات الفصول الأربعة، تلك النفس التي تتشقَّقُ سهولها حين يشتد القيظ وتغنِّي سنابلها حين يسقط المطر وتتماوج أغصانها فرحاً حين يحل الربيع وتتثاءب وديانها أرقاً حين تحبس أنفاسها ثلوج الشتاء..
لنفس الإنسان طقوسٌ وأمزجة، إنها الحياة الخفية التي يعيشها الإنسان بمعية ذاته فقط. إخفاقاتنا التي تتصارع تفاصيلها في معركة نجاحٍ أو فشل، بقاءٍ أو فناء، وجودٍ أو تلاشٍ.. تلك الاخفاقات هي ما يصنع الرياح العاتية فينا والتي غالباً ما تنتهي بالنجاح، إنه الإصرار الذي يشبه عواصف الشتاء فيغيِّر معالم المكان بحذفٍ أو إضافة.. هذا هو الإنسان بكل تجلياته المشرقة والمظلمة، إنه حالة الحضور والغياب التي تتخطَّى حدود الزمان والمكان, لأنه الكائن الذي يحمل في نفسه عالماً آخر قد يختلف عن هذا العالم المحيط بنا وقد يشبهه، لكنه عالم من نوعٍ آخر لا وجود فيه للبشر الذين يمكن أن نفشل في الوصول إليهم ويفشلون في الوصول إلينا؛ فنحن في ذلك العالم لا نسمع إلا صوت أنفسنا، لا تتحدث إلا إليها، لا نعرف إلا معالمنا الظاهرة أو الباطنة.. وكما تغني الطبيعة على أنغام هذا المطر المتساقط بشوقٍ على أرضٍ عَطشى للخير والارتواء.. كذلك هي أرواحنا حين تسقط على أرضها أمطار النجاح والتميُّز والخير والوفاء..
إن لأرواحنا أرضاً خصبة نبذرها بالحب فتزهر وتثمر وتتدلَّى أغصانها على شرفات أعيننا.. لهذا تبقى هذه الأرواح عالماً مجهولاً، ولهذا يبقى هذا الإنسان مخلوقاً غامضاً مهما حاول العلم اقتحام أسوار الإنسانية فكراً وجسداً.. إنها صنعة الخالق الذي أحسن كل شيء خلقة سبحانه جل جلاله.
ألطاف الأهدل
كما تغني الطبيعة على أنغام المطر! 1201