اليمن بلد ظل يعاني سنوات من الحكم الإمامي، الذي قرر السيطرة على اليمن بالطائفية ومحاربة التعليم ونشر التخلف والكهنوت، مارس القهر والظلم والسجون في الآبار والإبادة الجماعية واستباحة الأعراض ونشر الخرافة واستعباد الناس باسم الدين والطبقية، فثار عليه اليمنيون وذهب هذا النظام بعد أن عانى الناس منه ما عانوا. ولكن هؤلاء لم ييأسوا عندما جاءت ثورة إيران بثت فيهم الأمل وأعادت لهم منهج التطرف وسيرتهم بعد أن ظل حزب اتحاد القوى الشعبية سنوات يدرب هذه العناصر في لبنان على يد حزب الله وفي قم والنجف ليعود هؤلاء ومعهم عناصر لبنانية وإيرانية وعراقية تشرف على ما حصل، وكانت الدول الغربية تدفع بهؤلاء وتدعمهم. وعندما قامت ما سُمي بثورة الربيع جاء هؤلاء وضللوا الشباب الذين لم يجدوا من يوعيهم وينصحهم وإنما وقعوا ضحية هؤلاء الماكرين، الذين جندوا الناصريين والاشتراكيين إلى جانبهم واستفادوا من خبراتهم، وللأسف إن الرئيس السابق مكن هؤلاء واستغل قضيتهم لابتزاز دول مجلس التعاون، وهذا ما أضرّ بسيادة اليمن وأمنها ومكن هؤلاء. ثم إن عدم تمكين القوات المسلحة من أداء دورها في ضبط الأمن ثم طعنهم من الخلف. وجاء الرئيس الجديد ووضع الناس عليه الآمال للحفاظ على البلاد، ولكن صُدم الناسُ بتعاونه وتهاونه وأراد أن يمارس نفس أسلوب أستاذه وأراد تصفية الإصلاح وآل الأحمر وعلي محسن ليخلو له الجو، ولكن اللعبة كانت خطيرة ضاعت اليمن وأصبح هو في وضع لا يحسد عليه. أصبح هؤلاء أقوياء لثلاثة أسباب: الأول تعاون الرئيس السابق معهم للانتقام من خصومه، والسبب الثاني استغلال الرئيس الحالي الوضع بالتعاون مع وزير الدفاع السابق لتصفية المنافسين لتغيير الخريطة، والسبب الثالث تهاون الإصلاح والمشايخ لفترة طويلة وعدم جديتهم وإدراكهم خطورة الوضع حرصاً منهم على مصالح دنيوية. فوجد هؤلاء الطريق مفتوحاً أمامهم فسفكوا الدماء، وسبحان الله مارسوا نفس الأسلوب الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي المحتلة وكأنهم يحاكونها وزادوا عليها أكثر من ذلك تدمير ونسف البيوت والمساجد وإحراق مدارس تحفيظ القرآن ومحاربة ومسخ والقضاء على الهوية الإسلامية لليمن وجعله نسخة إيرانية، بالإضافة لنهب الأموال والإرهاب بأسلوب بشع فلم يراعوا طفلاً ولا شيخاً ولا أرملة، سجون وتعذيب تماماً كما كان يفعل الشيوعيون، فمستشاروهم من الشيوعيين واللبنانيين والعراقيين وبعضهم ضباط رتبوا لهم السجون والتعذيب والإرهاب. ولذا نجد أن اليمن تحولت إلى سجن كبير وصورة بشعة للإرهاب والخوف.. ومن ذلك فإن الفرع الآخر لهؤلاء ما سُمي بأنصار الشريعة وهو التابع لإيران أصبح يمارس الإرهاب من قتل الجنود الأبرياء بالجملة. وظن هؤلاء أن الناس سوف يصمتون، ولكن الإرهاب ولّد الإرهاب، ولذا نجد نشوء جماعات إرهابية معارضة تنتقم ولا تميز. من هنا نرى أن المتضررين لن يسكتوا بل سوف تنشأ جماعات متفرقة تؤمن بالعنف ولن تسكت على ممارسة هؤلاء وبعدها يصعب السيطرة عليها، وهذا سيشجع العصابات والمجرمين ممن يعانون الفقر والجوع والحاجة، والذين شردوا من بيوتهم لن يسكتوا، وهكذا ستكون البلاد في صراع، جنود من الحرس الجمهوري وغيره تدفع لهم آلاف الدولارات بلباس قبلي تحت ما يسمى بالمليشيات. ولا يستحي هؤلاء من الأكاذيب عبر وسائل الإعلام والاستخفاف بالناس واحتقار الشعب اليمني ومفكريه، وأصبح هؤلاء بكل وقاحة يكذبون ويزورون وبكل غرور وكبر، والمؤلم أن الناس يعانون الكثير والأحداث تسير نحو الأسوأ، خاصة أن هناك استحالة للحوار مع هؤلاء فهؤلاء لا عهد لهم ولا ميثاق مثل الإسرائيليين والإيرانيين وهم يستبيحون أموال وأعراض ودماء الناس. ففي عقائدهم أن هؤلاء لا يستحقون الحياة وأنهم مخلوقات مفضلة وبقية الناس خلقوا لهم عبيداً، تماماً كما يفكر الإيرانيون وبراهمة الهند واليهود، والذين يقولون إنهم أبناء الله وأحباؤه. لذا ليس هناك من حل لحقن الدماء سوى تحالف شعبي وطني يقوم على رفض بقاء الأجانب في اليمن ورفض المليشيات المسلحة. وإذا لم يبادر العقلاء إلى تناسي خلافات الماضي فإن هناك خطراً كبيراً.. أعجبني كلام ياسر اليماني من جانب اعترافه وقناعته بوصف الوضع بالاحتلال الإيراني، وهذه خطوة اعتبرها أنها نقلة كبيرة رغم خلافنا معه في دور الرئيس السابق. والآن الوضع أصبح أعظم خطورة، يجب تناسي كل الصراعات السابقة وتصفية الحسابات، لأن هناك وطناً وأمة مهددة بالفناء، هناك أيتام، هناك أرامل سوف تكون بالملايين ودمار بيوت ولاجئون، الوضع أصبح أخطر مما يتصوره الناس، وحروب استنـزافية، بل إن الجنوب أيضاً سيكون في خطر كبير لأن علي ناصر والبيض وغيرهم أصبحوا بيد إيران التي تستخدمهم وستنهي الحراك عن طريق مليشياتها المسماة أنصار الشريعة، لأن إيران تحلم بالشريط الحدودي البري لدول مجلس التعاون كورقة والبحر الأحمر من كل منافذه. ولقد آن الأوان أن يستيقظ العرب واليمنيون لا يمكن أن يساعدهم أحد دون أن يساعدوا أنفسهم، ستكون اليمن بفقرها والجهل وغياب القيادات مرتعاً وبيئة لتكاثر ميكروبات وفطريات الإرهاب، سيجد الإرهابيون من السنة والشيعة مكاناً يعيشون ويرتعون فيه ويهددون المنطقة. وهناك مشروع تدويل البحر الأحمر لضرب الأمن القومي العربي ودور إسرائيل في الأحداث.
اليمن اليوم يواجه حرب إبادة للهوية وتفكك الجيش ولنا تجربة في تفكيك جيش العراق وإطلاع المخابرات الإيرانية على سجلات وأرشيف الأمن اليمني، بما يعني أن أسرار المنطقة بيدها مما سيكون فيه من الصعب أي تنسيق مع أي دولة عربية. اليمن سقطت بيد إيران وهناك مناطق مقاومة كرداع والبيضاء ومأرب والجوف ووصفها بالإرهاب ونسبة لما يجري من مقاومة القبائل للإرهابيين هو ما تريده دوائر غربية لصالح إيران. والحوثيون ومن وراءهم وبتوجيه من إيران وحزب الله يلعبون هذا الدور بأنهم سيكونون الحلفاء للغرب لضرب الجماعات الإرهابية، وهي رسالة خبيثة مسمومة مغلفة بلون جميل أنيق للدول العربية المجاورة للاقتناع بالحوثي كحليف ضد الإرهاب، وهؤلاء بالتعاون مع الجيش وأجهزة أمنية يقومون بتصوير مواقع وافتعال قصص خيالية كاذبة على أنها مواقع للإرهاب، وهي مواقع سابقة وقصص اعترافات مثلما كان يفعل الشيوعيون في الستينيات، سيكون هذا فخاً خبيثاً وخطيراً يضر بأمن واستقرار المنطقة ويجعل القبائل السنية ضحايا وطعما سائغا لعملاء إيران. على العرب أن لا يثقوا بهؤلاء، وعلى المؤتمر أن يستيقظ ويصلح أخطاءه، وعلى الإصلاح أن يراجع حساباته وقراراته الخاطئة فكلهم سيدفعون ثمناً باهظاً، وعلى الرئيس أن يراجع مواقفه ويتقي الله في الأمة ومصالحها ودمائها وأنـه مسؤول أمـام الله يـوم القيامة عن كل قطرة دم تسفك.
وأخيراً أقول للرئاسة والمؤتمر والإصلاح والقبائل اتقوا الله، اتقوا الله وخافوه من دمار البلاد وليس لكم حل إلا شيء واحد التحالف والقضاء على المليشيات المسلحة وإعادة الدولة إلى دورها.
الشرق القطرية
أحمد عبده ناشر
اليمن وفتنة الإرهاب 1152