في يوم الاحتفال بمولد النبي "صلى الله عليه وسلم" هذا العام امتزج عبق الذكرى بروائح الدماء المسفوكة على الأرض اليمنية, وتناثرت درر سيرته الفذة "صلى الله عليه وسلم" مترافقة بتطاير أشلاء الأبرياء على قاعة للثقافة في مدينة الجمال والوداعة "إب الخضراء"..!

كان الحفل يسير بوتيرة منتظمة, وعندما شارف على النهاية امتدت يد آثمة لترسم له نهاية من لون آخر, وتخط كلح الحزن الأسود في عيون الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل والأبناء الأيتام..!

جميع ناقلي الأخبار بكافة القنوات كانوا يسلطون الضوء على الحدث من زاوية واحدة, ويركزون الاهتمام بجثث الأبرياء, وكنت أتتبع ببصري صورة لأشلاء القاتل..!

ترى ماذا يكون هذا الكائن المشوه, وكيف سار وسط الجموع المؤمنة المحتفية بمولد خير البشر دون أن يشعر أحد باختلافه ؟!

 جلس بينهم بروح غراب أبقع لينشر الشؤم على مجتمع "إب" الوادع اللطيف, ويقلق فرحة القلوب بالذكرى العطرة في وطننا المتلاطم بين تيارات الحاضر المضطرب, والمستقبل المجهول!

اليمن البلدة الطيبة بأهلها البسطاء, وتربة أرضها الخصبة لا تلد مثل هؤلاء؛ ودليل ذلك قلة الأحداث المماثلة قياسا بأشباهها من البلدان؛ مع كونها بلداً مفتوحاً, ومع سهولة تهريب الأسلحة إلى داخلها, ويسر الحصول على أنواع المتفجرات فيها لمن شاء..!

الثقافة الغالبة على أبناء اليمن هي ثقافة كراهية سفك الدماء, والتسامح, والقبول للمخالف, والترحيب حتى بالغرباء؛ إذن المفترض أن يصبح الكشف المبكر عن أمثال هذا المجرم سهلاً للغاية..!

توجد خلايا إرهابية في مناطق معلومة للدولة في محافظة إب وغيرها من المحافظات اليمنية, وليس من العسير فض اجتماعها وتجفيف منابعها؛ فما الذي جعل ذلك غير ممكن مع تفاقم خطورتها وتعاظم شرورها؟!

يبدو أن الحكومة لا تضع ذلك في قائمة أولوياتها وتعول كثيراً على الطائرات بدون طيار لحل هذه الأزمة والفكاك منها.!

لكن الجلي للعيان هو أن هذه الطائرات كثيراً ما تخطئ الهدف بغير قصد أو بقصد في بعض الأحايين..!

متى ندرك بأن اليمن لن تزيل مشاكلها بحلول جاهزة, أو بتدخل مباشر من الخارج؟!

سنجد، إن نحن أردنا بصدق، حلولاً أكثر إبداعاً للخروج من مأزق تكالبت على وطننا في الحقبة الحالية من عمره الضارب في جذور التاريخ, أزمات كثير منها مفتعل ومستورد, تكاد أن تخنق في يمننا الرمق الأخير لقوى هذا الشعب الجلد الصبور..!

كانت اليمن في تاريخها القديم معبرا للقوافل, وسار على هذه الأرض على مر الأزمان بشر من أعراق شتى, استوطن كثير منهم اليمن؛ فتكون شعبها من خليط متنوع, ومع ذلك استطاعت اليمن بسحرها وأصالتها أن تصبغ الجميع بصبغة متفردة جعلت كل شيء يحدث هنا مختلفا دوماً.!

نطالب الحكومة بسرعة تكوين فريق وطني متخصص للكشف المبكر عن مثل هذه الجرائم, ولملاحقة الخلايا الإرهابية النائمة والنشطة على أرض اليمن من أقصاه لأقصاه, لا نريد بعد اليوم أن نرى أشلاء اليمانيين تتبعثر على شفرات فكر مريض ونفوس معتلة, ليست سوى بقع شوهاء على صفحة بيضاء ولا يلزم إلا القليل من الحزم والتخطيط والمثابرة لتنظيف وجه اليمن منها..!