لعلَّ عصرنا من أوقح العصور أدباً مع رسول الله, فهناك حملة منظمة ملعونة عالمياً للقدح في رسول الله ولإنكار سنته أو التشكيك بها يوازيها.. حملة مدروسة إقليمياً لنزع القداسة عن الله ورسوله وشريعته, تظهر في كتابات أدبية أو فلسفية أو مواد قانونية تنتقص الشريعة أو تنحيها أو في فرض ما يخالف السنة بشكل متعمد.
وهكذا يراد أن تتربى الأمة على قلة الأدب مع رسول الله وشريعته, فأحببت أن اُذكر بشيء من أدلة وجوب الأدب معه صلى الله عليه وسلم وبشيء من أدب الأمة في قرونها المفضلة مع رسول الله وسنته, واقصد بالأدب معه عليه السلام, الأدب الشرعي والتعظيم المقبول عنده وعند الله وهو الذي دلت عليه النصوص الشرعية وعمل به سلف الأمة ولا اقصد بتاتاً التعظيم البدعي المخالف للأدلة وعمل الصحابة وآل البيت وسلف الأمة, فهو مردود على صاحبه غير مقبول عند الله ورسوله.
* إن الله تعالى أمر بتعزيره وتوقيره، كما قال تعالى {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح، آية 9]. قال ابن تيميه "التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار " الصارم المسلول ص 422.
قال القاضي عياض: " اعلم أن حرمة النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم، كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه وسنته، وسماع اسمه وسيرته، ومعاملة آله وعترته، وتعظيم أهل بيته وصحابته واجب على كل مؤمن متى ذكره، أو ذكر عنده، أن يخضع ويخشع، ويتوقر، ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه، ويتأدب بما أدبنا الله به, وهذه كانت سيرة سلفنا الصالح وأئمتنا الماضين رضي الله عنهم" الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ص162 وبنحو ذلك قال المفسرون.
*قوله سبحانه وتعالى: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات، آية ؛2 أي حذر أن تحبط أعمالكم. قال الإمام ابن تيميه " ولا يحبط الأعمال غير الكفر كما دلت على ذلك النصوص - فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي، والجهر له بالقول يخاف من أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك، وأن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له، واستخفاف به، وإن لم يقصد الرافع، فإن الأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر بطريق الأولى" الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيميه ص46 الشفا للقاضي عياض ص298، والمحلى لابن حزم13\500 وبنحو ذلك قال المفسرون.
* قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات، آية 1. فرأس الأدب مع الرسول- صلى الله عليه وسلم-: "كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة بخيال باطل، يسميه معقولاً، أو يحمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال، وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان، كما وحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل، والإنابة والتوكل ومن الأدب معه: أن لا يستشكل قوله، بل تستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولاً. نعم هو مجهول وعن الصواب معزول. ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه صلى الله عليه وسلم وهو عين الجرأة" ابن القيم في مدارج السالكين 2\235وبنحو ذلك قال المفسرون.
* قول ابن القيم -رحمه الله-: " ومن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، ولا إذن ولا تصرف حتى يأمره وينهي ويأذن كما قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ))[الحجرات:1 وهذا باق إلى يوم القيامة لم ينسخ، فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته ولا فرق بينهما عند كل ذي عقل سليم ) مدارك السالكين 2\389 وبنحو ذلك قال المفسرون.
* إن سوء الأدب مع رسول الله يهز الاعتقاد ويتدرج بصاحبه في الانسلاخ من الدين. قال ابن عطية: في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ". أي يكون ذلك سبباً إلى الوحشة في نفوسكم فلا تزال معتقداتكم تتدرج القهقرى حتى يؤول ذلك إلى الكفر فحبط الأعمال. وأقول:(ابن عاشور) لأن عدم الانتهاء عن سوء الأدب مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- يعود النفس بالاسترسال فيه فلا تزال تزداد منه وينقص توفير الرسول- صلى الله عليه وسلم- من النفس وتتولى من سيء إلى أشد منه حتى يؤول إلى عدم الاكتراث بالتأدب معه وذلك كفر. وهذا معنى {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} لآن المنتقل من سيء إلى أسوأ لا يشعر ). تفسير التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور26\185 والبقيه تتبع..
الشيخ / علي القاضي
حاجتنا للأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم(1) 1374