المنهج مصطلح تربوي مهم، وهو من المصطلحات التربوية الأساسية، ويتعلَّق بالعملية التعليمية تخطيطاً وتنفيذاً وتقويماً، ومع كونه من المصطلحات التربوية الصرفة فإنه من المصطلحات التي تتعلق بها رؤى متعددة.
فالطالب لديه مفهومه عن المنهج، اكتسب هذا المفهوم من خلال الممارسة، باعتباره حقل العملية التعليمية، وأولياء الأمور لهم تصورهم الخاص عن المنهج، ويدلون بدلوهم في الحديث عن الجانب التربوي باعتبار أن التربية تتعلق بفلذات أكبادهم، وأنه ينعكس على أبنائهم، فيضمنون مستقبلاً أفضلَ لهم، وتؤثر تطلعات أولياء الأمور في تصوُّرِهم عن المنهج أيضاً، وعندما غزت روسيا الفضاء وسجلت به سبقاً عالميا تحرَّكت مظاهرات أولياء الأمور في الولايات المتحدة متجهةً صوب الجهات التربوية والتعليمية في أمريكا قائلةً: ماذا تدرسون أبناءنا([1]).
والمعلم يمتلك تصوره الخاص عن المنهج، ومن خلال هذا التصور ينفذه في عملية التدريس([2]) وفقاً لهذا التصور، فمعتقدات المعلمين وتصوراتهم عن المفاهيم التربوية تؤثِّر تأثيراً كبيراً في تنفيذ المنهج، وفي سائر شؤون التربية الأخرى.
وخبراء التربية ـ أصحاب الاختصاص الأكاديمي والمهني ـ يقدمون تعريفات عدة للمنهج، بحسب المدارس الفكرية التي ينطلقون منها، أو الأهداف التي يرونها للمؤسسة التعليمية، بل وللعملية التعليمية برمتها.
المنهج لغة: الطريق الواضح. قال صاحب القاموس([3]): النهج الطريق الواضح كالمنهج والمنهاج. وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {لِكُلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (48) سورة المائدة. قال الإمام الشوكاني([4]): "المنهاج الطريقة الواضحة البيِّنة، وقال أبو العباس المبرد: المنهاج الطريق المستمر". والمنهج: يعني الخطة المرسومة([5])، والمنهج بوجه عام: وسيلة محددة، تُوصِل إلى غاية معينة([6]).
وفي الميدان التربوي لا يختلف معنى المنهج ـ في جوهره ـ عن المعنى اللغوي السابق، من حيث كون المنهج وسيلة منظمة ومحددة، تساعد في الوصول إلى غاية أو غايات منشودة([7]).
ويؤكد فتحي يونس([8]) أن المنهج هو السياق(Context ) الذي تتم فيه عملية التعليم، وهو نظام يتكون من مجموعة من العناصر تتكامل وتترابط، ويؤثر بعضها في بعضها في بعض.
ويشير بعض الباحثين([9]) إلى أن مصطلح المنهج (Curriculum) يرجع في الأصل إلى الكلمة اللاتينية Currere)) وهي تعني يجري في دورات السباق التي كانت تُقام آنذاك, وبمرور الوقت تطلب السباق إلى مقرر دراسي تدريبي وسُمِّي ذلك المقرر بالمنهج، وارتبطت الكلمة بعد ذلك بمحتوى المواد الدراسية أو الخطط الخاصة بها.
وتفيد المصادر أن الرومان استخدموا كلمة المنهج بمعنى الفترة الزمنية التي يعيشها الإنسان، وفي سنة 1643م استخدمت جامعة جلاسكوا في أسكتلندا المنهج للدلالة على الإطار الزمني للدراسة فوضعت منهج الخمس السنوات ، ووضعت قائمة بالمواد المقررة في برنامج السنوات الخمس، وفي عام 1829م أعلنت أن منهج الطلاب الملتحقين لدراسة الطب الجراحي ثلاث سنوات، وهو يشتمل ضمنا المواد المقررة([10]).
ومع مرور الزمن أخذ المحتوى الدراسي أو المقررات الدراسية يأخذ معنى المنهج، حتى أصبحا المحتوى والمنهج بمعنى واحد، ومرجع ذلك إلى تضخيم دور المعرفة، واعتقاد أن حيازة المعرفة تغير في السلوك، ويحوز صاحبها الكمال([11]).
ويرى الدمرداش سرحان([12]) أن المنهج هو ما تقدمه المدرسة إلى تلاميذها تحقيقا لرسالتها وأهدافها، ووَفْقَ خطتها لتحقيق هذه الأهداف، وأن هذا التعريف سليم ومقبول منذ نشأة المدارس حتى اليوم. ولكن الذي اختلف هو أهداف التربية ذاتها، وتبعا لاختلاف الفلسفة التي ينطلق منها المنهج ظهر مفهومان متباينان للمنهج: أحدهما ضيق يقصره على الجانب المعرفي، والآخر واسع يضيف إلى الجانب المعرفي الجوانب الانفعالية والأدائية.
ويرى بعض الدارسين([13]) أن المنهج الدراسي أخذ عدة تعريفات في مراحل تطوره المختلفة، وقد ساير ذلك غموضا بين عدة مفاهيم:
المنهج Curriculum ، الخطة الدراسية Syllabus ، المقررات الدراسية Course of study.
الأمر الذي حدا ببعض الباحثين إلى القول([14]): إن مفهوم المنهج وبناه لم يتميز بشكل واضح؛ لذلك يعاني مجال المنهج من مشكلات تعريفية حادة.
وهناك عدة تعريفات للمنهج منها:
* "مجموعة من الخبرات المنظمة التي يمر بها التلميذ تحت إشراف المؤسسة التعليمية التابع لها أو التي يدرس فيها. أما أثناء عملية تطوير المنهج فيشار إليه على أنه مجموعة المخرجات التعلمية المرغوبة، وطرق الوصول إليها"([15]).
* "جميع الخبرات التعلمية المخططة التي تنظم داخل المدرسة وخارجها لإحداث تغييرات مرغوبة في سلوك المتعلم"([16]).
* "جميع الخبرات التي يخطط لها داخل المدرسة وخارجها من أجل تحقيق النمو الشامل للمتعلم في جميع جوانب شخصيته مما يحقق الأهداف، بناء السلوك السليم، وتعديل السلوك غير المرغوب لديه ليكون مواطناً صالحاً"([17]).
د. محمد الحاوري
المنهج المدرسي 1056