ما يدور اليوم من تطورات خطيرة وتصريحات نارية مشحونة بلغة التهديد والوعيد والتلويح بالقوة, وفي الآونة الأخيرة صار البلد مسرحا للعنف المسلح٬ ومرتعا للجرم المنظم٬ وغدا الجميع يحملون معاول الهدم والجرم بدلا من مشاعل النور والعلم٬ وأصبح مشهد التقتيل والتخريب والتدمير مألوفا٬ وصارت سيرتنا حديثا مرعبا مخيفا٬ بتحدي المجرمين هيبة الدولة وشرفها وكرامتها٬ من خلال محاولات تقويض سلطاتها ومؤسساتها وهيئاتها كل هذا يبرهن أننا لم نستوعب بعد مصائبنا والكوارث التي مرت على رؤوسنا في الماضي, لم نع مصالحنا بعد, لم نتجاوز مرحلة الطيش ونفوق من غفوتنا وتتمكن لدينا قناعات أن "العدالة هي الناظم للحقوق والواجبات في علاقتنا بأنفسنا وعلاقتنا فيما بيننا، دون هيمنة فئة على أخرى، أو شخص على آخر، أو حزب على جماعة، وإنّ الشّعور بالأمان لدى كلّ الأطياف لا يمكن أن يقوم إلاّ على أساس العدالة التي تحفظ الحقوق وتحدّد الواجبات". لو استوعبنا ذلك وجعلنا خطانا تسير إلى هذا المسار سنتجاوز ماضينا ومرحلة الطيش, لكننا للأسف نروج أو نشرع للعنف الذي بالضرورة يؤدي لعنف مضاد لازالت العقول هي تلك العقول المشبعة بالإرث السلالي.. كل يريد أن يخضع الآخر لإمرته, أي لازلنا في الأمس الدامس بتغيير بسيط أننا استوعبنا شعارات الثورة وقيمها الإنسانية واستخدمناها كعناوين نسترشد بها في طريقنا للعودة للماضي العفن.
نحن ضد العنف لأنه يولد عنفا مضادا أشد جورا وينتج ظلما ومظالم وقتلى وجرحى وتسفك فيها دماء طاهرة وبريئة, لا تحل القضايا بالعنف دون عرض أشد جورا وألما ونواحا وثكالى وأيتاما, كلما ازددنا عنفا, كلما ولدنا جيلا شغوفا بالقتل ورائحة الدماء وانتهاكات ودمار وخراب كلما غرسنا في النفوس الحقد والضغائن والتوحش والتخلف.
نحن قضيتنا ببساطة هي أزمة ضمير إنساني ووطني بأن نعترف ببعضنا البعض كبشر نعيش ونتعايش على أسس ترضي الجميع وتوفر العدل والمساواة والحرية لا سيد ولا مسود ولا شيخ ولا رعية وأننا في وطن ملكنا جميعا ونحن شركاء فيه في المسؤولية والحقوق والواجبات كل هذا يمكن أن يكون متاحا في ظل الدولة الضامنة للجميع والدستور والقوانين النافذة التي تعكس كل هذه القيم والمبادئ الإنسانية النبيلة التي لا نختلف عنها ويكون ذلك الدستور وتلك القوانين هي السلطان بيننا والحكم في أمورنا وهي بحاجة لجهاز أمني وطني قادر على تنفيذها وإرساء العدل وبحاجة لقادة معتدلين حافظين للعدالة قادرين على مواجهة التحديات الراهنة والقادمة لنطور من ذاتنا ثقافيا وفكريا وتعليميا ونكتسب المعارف والمهارات بعملية تدوم مدى الحياة.
تشعر اليوم بغياب الدولة في كثير من المدن والمحافظات بفرض مليشيات ولجان شعبية أحادية الطيف وهناك محاولات لإسقاط هيبة وسلطة الدولة فيما تبقى من محافظات لازالت الدولة فيها فاعلة كتعز ومأرب بنسبة أقل ليبقى العنف هو السائد على عموم أراضي الوطن...
أحمد ناصر حميدان
حافظوا على ما تبقى من هيبة للدولة 1434