* تكلمت في الحلقة السابقة عن شيء من أدلة وجوب الأدب مع سيد البشر عليه الصلاة والسلام ونذكر في هذه الحلقة شذرات من أدب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم مع رسول الله عليه وعلى آله وصحبه الصلاة و السلام
* أما أدب وتوقير الصحابة لرسول الله فكثير معلوم, منه ما رواه البخاري وغيره من حديث عروة بن مسعود الثقفي لمَّا بعثته قريش لرسول الله في الحديبية ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوأه وكادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقاً ولا ينخم نخامة إلا تلقَّوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيماً له؛ فلما رجع إلى قريش قال يا معشر قريش إني جئت كسرى في مُلكه وقيصر في مُلكه والنجاشى في مُلكه وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه، وفى رواية: إن رأيت ملكا قط يعظِّمه أصحابه ما يعظِّم محمداً أصحابه، وقد رأيت قوماً لا يُسلمونه أبداً، وفي البخاري أيضا عن أنس لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رَجلٍ منهم.
* أما تعظيم التابعين له وأتباعهم من أئمة المسلمين فكثير, ومنه: كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه؛ فقيل له يوماً في ذلك فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم على ما ترون, ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبداً إلا يبكى حتى نرحمه, ولقد كنت أرى جعفر بن محمد أي جعفر الصادق وكان كثير الدعابة والتبسُّم؛ فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم أصفرَّ وما رأيته يحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة...وقال مالك جاء رجل إلى ابن المسيب فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس وحدَّثه فقال له الرجل وددت أنك لم تتعنَّ؛ فقال: إني كرهت أن أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع.
* قال مطرف كان إذا أتى الناسُ مالكاً خرجت إليهم الجارية؛ فتقول لهم يقول لكم الشيخ تريدون الحديث أو المسائل ؟ فإن قالوا المسائل خرج إليهم وإن قالوا الحديث دخل مُغتسله واغتسل وتطيَّب ولبس ثياباً جدداً ولبس ساجه وتعمَّم ووضع على رأسه رداءه وتلقى له منصَّة فيخرج فيجلس عليها وعليه الخشوع ولا يزال يبخِّر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال غيره ولم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لمالك في ذلك فقال أحب أن أنظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكناً.
* ومن تعظيم النبي تعظيم مدينته وثيابه
**أفتى مالك فيمن قال تُربة المدينة ردية يُضرب ثلاثين درة وأمر بحسبه وكان له قدر وقال ما أحوجه إلى ضرب عنقه: تربة دُفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أنها غير طيبة!
*عن مالك من قال إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم - ويروى زر النبي صلى الله عليه وسلم - وسخ أراد به عيبه قُتل؛ ولهذا كان مالك رحمه الله لا يركب بالمدينة دابة, وكان يقول أستحيي من الله أن أطأ تربة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة،وما سبق عن الامام مالك نُقل نحوه عن باقي الائمة تركناه اختصاراً.
*ولوجوب الأدب معه صلى الله عليه وسلم نقل الائمه الإجماع على كفر من وصف رسول الله بما فيه نقص أو بغير صفته فقالوا: (كذلك نكفر من اعترف من الأصول الصحيحة بما تقدم ونبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ولكن قال كان أسود أو مات قبل أن يلتحي أو ليس الذى كان بمكة والحجاز أو ليس بقرشي لأن وصفه بغير صفاته المعلومة نفي له وتكذيب به) الصارم المسلول لابن تيميه والشفاء للقاضي عياض وغيرهما.
* أخيرا المقصود أن ننبه بعض المثقفين والكتاب ومن يعجب بأسلوبهم أن ينتبهوا إن كتبوا عن رسول الله وألاَّ يجعلوا الكتابة حوله فلسفيه أو رمزيه لذم جهة أو تعريضٍ بجهة بأسلوب يُظهر جنابه المبجل مظهراً غير لائق, فهذا إسفاف في حقه عليه الصلاة والسلام فهم يكتبون عن أهم شخصية عاشت على الارض وأظلَّتها السماء يكتبون عن أعظم مخلوق والكلام حول العظماء له "بروتوكولات" أهم وأدق من "بروتوكولات" التعامل مع المهمين من الناس حُكاماً وغيرهم فعلى كل من أراد الكتابة عن رسول الله أن يقرأ آيات تبجيله والسنة الواردة في تعظيمه وأدب الأمة معه ثم يكتب هذا إن أراد حفظ إسلامه, أما أن تُقحم مقام النبوة بِسُخف أو بتشبيه الرسول بسائر من يُكتَب عنهم فقد ضل سواء السبيل وإسلامه عليل وربما يؤذن بالرحيل.
إذاً حفظ عظمة وفخامة النبي عليه الصلاة والسلام أهم من إنكار أي منكر لأن موت المسلم أهون من سبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم.
الشيخ / علي القاضي
حاجتنا الى الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) 1728