;
د. محمد الحاوري
د. محمد الحاوري

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت 1206

2015-01-10 11:02:21


إن أكبر أزمة أخلاق تصيب الأفراد والجماعات والأمم هي أزمة مخالفة القول العمل، حين يكون القول حسناً والعمل سيئاً تبرز أكبر آفة اجتماعية وحياتية، ويصبح الكذب هو الرائج في حياة الناس، عندها ينزل سخط الله على المرتكبين لهذا الانحطاط الأخلاقي، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} سورة الصف.

ذلك أن الأمم تمر بأزمات كثيرة لكن أخطر تلك الأزمات الأزمة التي تصيب الأمة في أخلاقها فتنتكس قيمها فتصبح مسخا مشوها من البشر، لا تفي بعهد ولا تلتزم بميثاق ولا تقوم بأمر ولا تنتهي عن نهي ولا تكف عن محرم ولا ترعوي عن أي فعل. عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حلبها البلاء" فقيل: و ما هن يا رسول الله؟ قال: "إذا كان المغنم دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته وعق أمه، وبر صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء، أو خسفاً، أو مسخاً" رواه الترمذي والطبراني.

ورحم الله أحمد شوقي في قوله:

وإِنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيَتْ ... فإِن همُ ذَهَبَتْ أخلاقهُم ذَهَبوا

قد تعاني الأمة، أية أمة، من أزمة اقتصادية أو أزمة سياسة أو أزمة من أي نوع من الأزمات، لكن أزمة الأخلاق هي الأزمة الحقيقية التي تودي بالأمم إلى الهلاك، لأنه إذا وجدت أزمة اقتصادية والأخلاق سليمة فإن تجاوز تلك الأزمة الاقتصادية مقدور عليه، وإذا وجدت الأزمة السياسية والأمة صحيحة الأخلاق، فإن الحل لتلك الأزمة السياسية قريب المتناول ممكن الوصول إليه، ذلك أن الأخلاق هي أساس قيام الدول والأنظمة والمجتمعات وهي وغيابها أو اختلالها سبب أساسي في زوالها كذلك.

قد تصاب الأمة بالأزمة الاقتصادية فيصيبها الفقر وتسيطر عليها الفاقة والحاجة، فتعالج هذه الأزمة الاقتصادية بأخلاقها حين تلتزم بما يجب عليها من رعاية للفقراء، وعناية بالمعوزين، والتفات صادق لذوي الحاجة، فتقتسم رغيف الخبز، ويلتزم كل فرد بأخذ ما يحتاجه فقط ويمتنع التجار عن الاحتكار والأغنياء عن الإسراف، وتتحرك الأمة كلها يعين بعضها بعضا لتتجاوز الأزمة، بالإيثار والعمل الصادق الدؤوب، فتمر الأزمة مهما كانت قوية وعاصفة وتخرج الأمة من ضيق إلى سعة، لأن أخلاق الناس صحيحة وسليمة في المجال الاقتصادي، يصدقون في تعاملهم، ولا يغشون في معاملاتهم، وتقوم حياتهم على الأمانة لا على الخيانة، فتمر الأزمة لأن سفينة الأخلاق الحاملة للمجتمع ما زالت بخير، وبرغم العواصف القواصف فإن سفينة الأخلاق تبحر نحو بر الأمان. قال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم: " ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به " رواه الطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني في صحيح الجامع. قال المناوي في فيض القدير: المراد نفيا لإيمان الكامل، وذلك لأنه يدل على قسوة قلبه، وكثرة شحة، وسقوط مروءته، وعظيم لؤمه، وخبث طويته، قال :

وكلهم قد نال شبعا لبطنه .... وشبع الفتى لؤمٌ إذا جاع صاحبه

إن الأمة قد تصاب بأزمة سياسية تتنافر فيها المصالح السياسية وتستنفر فيها الأطراف قواها، ويكون الاستقطاب من هذا الطرف أو ذاك، في تجاذبات سياسية تحشد وتتجمهر؛ فتتعامل مع الأزمة بصدق الموقف والوفاء بالالتزامات والعهود والعقود، فتخرج من أزمتها، لأنها تجرم الكذب السياسي، ولا تقبل من أي طرف من الأطراف المخادعة والخداع، لكنها إذا فقدت القيم والأخلاق انزلقت إلى مهاوي الردى، ورحم الله أمير الشعراء شوقي وهو يقول:

وإِذا أُصِيْبَ القوم في أخلاقِهمْ ... فأقِمْ عليهم مَأْتَماً وعويلا

وقد تصاب الأمة بأزمة اجتماعية في هذا الجانب أو ذاك، فتضعف أمام المغريات بعض النفوس فتنتكس فتحتاج الأمة إلى سلامة الأخلاق فيكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن لم تفعل الأمة ذلك، حق عليها اللعنة كما حقت على الأمة التي قبلنا، قال الله تعالى: عِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} سورة المائدة. قال الإمام القرطبي: قال بعض الأصوليين: فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضا واستدلوا بهذه الآية قالوا: لا نقوله: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي، وفي الآية دليل على النهي عن مجالسة المجرمين وأمر بتركهم وهجرانهم

[المرجع: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي/ المجلد السادس/ صفحة 236]

وأخيراً قال عمرو بن الأهتم الشاعر الصحابي:

لعمركَ ما ضاقتْ بلاد بأهلِها ... ولكنَّ أخلاقَ الرِّجال تضيقُ

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد