التنديد الذي أعقب حادثة "شارلي أبدو" فاق الكثير من سابقيه حراكا عالميا, واهتماما, وحشدا, وتميز كثيراً عن ردود فعل المجتمع الدولي حول حوادث عديدة ومشابهة, حدثت وتحدث في بقاع شتى من العالم هي أشد شناعة وقبحا مما حدث في "شارلي" ونحن في اليمن مازلنا نجمع رفات شباب كلية الشرطة الذين ذهبوا ضحية لإرهاب مماثل..!

والفارقة الموجعة هي أن نغدو نحن الشعب اليمني الضحية الأشد بؤساً والأنكى تقتيلا؛ نغدو بين عشية وضحاها مرمى لاتهام الجميع لنا باحتضان الإرهاب وتنميته وتصديره..!

اهتمام متضخم بحادث "شارلي" وتظاهرة كبرى تقام على مراسيم تشييع قتلاه, مدعين أن ذلك نصرة للحريات ومناهضة للإرهاب عموماً والإرهاب الفكري خاصة.!

ونحن في اليمن, ألم نتجرع كؤوسا من نخب الإرهاب المستنبت عنوة على أراضينا الطيبة, ألم تزهق أرواح الآلاف من أبنائنا, أليس من حق هذه الأرواح الزكية أن تتلقى بعض زخم هذا الاهتمام العالمي بقتلاهم؟!

كانت أمريكا هي من ابتكر العدو الجديد للحرية الأمريكية ممثلا في الإسلام؛ ومسوغ فعلها الظالم هذا هو أنه بعد سقوط العدو النمطي السابق لها والمتمثل بالاتحاد السوفيتي, وبعد خفوت لهيب الحرب الباردة؛ لا بد من تنصيب عدو جديد للمجتمع الأمريكي, السادة هناك أرادوا اختراع عنصر تشويق جديد في الحلبة ؛ للممارسة ألعابهم السحرية على ناخبيهم؛ ذلك لأن المجتمع الأمريكي ليس أمة ذات قومية وعقيدة واحدة, لذا فسادتهم وكبرائهم بحاجة دوماً لاصطناع عدو يرمم لحمة الانتماء في نفوس ذلك الشعب الملتئم من شذاذ الآفاق, وإشعارهم بأن القائمين بأمرهم يفعلون الكثير لحمايتهم من عدو شرس متربص بهم.!

لكن ها قد جاء دور أوروبا, وفرنسا النموذج الأمثل للشعب الأمة..

ترى لماذا يراد للإسلام أن يصبح عدواً مقلقاً للأمة الفرنسية ؟

لماذا يلوح لأوروبا بفزاعة الإرهاب الذي ألبسوه زورا لباس الإسلام؟!

والسؤال المؤرق جدا, هو لماذا اليمن في هذا التوقيت تلبس إهاب هذه الفزاعة البشع؟!

ألا يكفينا ما نعانيه من تمزق واقتتال وغياب للأمن وتجويع وإفقار وتدمير للنفسيات وإحباط للشباب وتعذيب للشيوخ والنساء والأطفال؟!

ماذا يريد منا هذا العالم؟

عما قليل ستصبح أمة اليمن الشابة الفتية, طاقة عظمى محبطة, والإحباط هو محضن الجريمة الأزلي!

كان الأجدر برئاسة الجمهورية تناغماً مع هذا الظاهر الذي تفرضه سياسة الأمر الواقع ولغة الجانب الأقوى في منظومة السلطة والنفوذ العالمي, كان الأجدر بها استغلال هذا التجمع الكبير, وبعث وفد رفيع المستوى للمشاركة في مسيرة "الجمهورية" ذات الزخم العالي!

كان ينبغي أن يذهب من حكومة اليمن من يمثلها معلنا براءة اليمن واليمانيين من الإرهاب بكافة ألوانه!

والمفترض بقوى الضغط الشعبي إقامة العديد من الأنشطة الجماهيرية والإعلامية التي تقول للآخر الذي يدبر لجعلنا غرضا لرمياته "توقفوا" نحن أمة اليمانيين أمة مسالمة, تحب الخير للإنسانية جمعاء وتريد السلام للعالم أجمع؛ كفاكم تضييقا للخناق حول رقابنا, كفاكم قهرا وظلما لنا, كفاكم تفريخا للإرهاب في وطننا, كفاكم وأداً لأحلام شبابنا..

نحن بشر ونريد أن نعيش بحرية ورفاهية كتلك التي تنعمون بها, كفاكم خلقا للفوضى في بلادنا..

كفاكم, كفاكم, دعونا نعيش وإلا..!