كان الكثير يعتقد ويرى في الرئيس هادي- وبما يملك من دعم ومؤازرة شعبية وإقليمية ودولية- أنه سيكون المنقذ للحالة المزرية التي يعيشها إلىمن وأنه رجل المرحلة الذي لا ينازعه أحد وأنه صمام أمان الوطن ووحدته وعامل أساسي في تثبيتها وترسيخها ليكون بذلك رمزا لليمن كما كان المستشار الألماني هيلموت كول رمزاً لألمانيا الاتحادية حين سعى إلى إعادة تحقيق الوحدة الألمانية كما سعى أيضا إلى تحقيق مصالحة سلمية بين ألمانيا المنقسمة وتفكيك الستار الحديدي على نطاق أوسع عبر أوروبا.
لكن- وبالرغم من الآمال العريضة التي كان يعلق عليها الشعب في هادي- ها هو الرئيس هادي- وبعد ثلاث سنوات من توليه رئاسة البلاد والسير بها نحو المجهول- يصبح رمزا ليس "كهلموت كول موحد ألمانيا" ولكن كـ"ميخائييل غورباتشوف, مفكك الاتحاد السوفيتي" -الحدث الذي صعق العالم- وذلك عبر تبنيه سياسة البريسترويكا وهي إعادة بناء الاتحاد السوفيتي ونقله من الاقتصاد المنغلق إلى اقتصاد السوق المفتوح دفعة واحدة, ساهم ذلك في التعجيل بانهياره بشكل كبير كما أن هناك أسبابا رئيسية اتهم "غورباتشوف" أنه كان وراءها من أجل إسقاط وانهيار الاتحاد السوفيتي والتي منها:
- ثورة بولندة التي رفض "غورباتشوف" قمعها مما أدى إلى حدوث رغبة لدى الجمهوريات الأخرى التحرر عن سلطة موسكو..
- ظهور الفساد داخل أروقة النظام السوفيتي.
- الانفتاح نحو الغرب وهذه كانت أبرز الاتهامات التي وجهها أعضاء بـ"الكرملين" لـ"غورباتشوف" والتي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي.
وبالمقارنة نجد أن التهم التي وجهت إلى "غورباتشوف" هي نفس التهم التي يوجهها الغالبية من الشعب تجاه الرئيس هادي وخاصة فيما يتعلق بسياسة "البريسترويكا " التي يبدو أن هادي اقتبسها من السوفيت أثناء دراسته في مجال القيادة العسكرية لمدة أربع سنوات في الاتحاد السوفيتي ويتقنها جيدا ويبدو أن هادي فاق نظيره السوفيتي في أن هادي لجأ إلى سياسة "البريسترويكا "والتي تعني "إعادة البناء" في اتجاهين الأول في مجال إعادة بناء القوات المسلحة عبر هيكلتها مما أدى إلى انهيارها والثانية في مجال إعادة بناء الدولة والانتقال من الدولة الاندماجية إلى الفيدرالية الأمر الذي ينذر بانهيار وشيك للدولة بدت ملامحه تبرز في الأفق بينما غورباتشوف عمل على انهيار الاتحاد السوفيتي لكنه أبقى لروسيا الاتحادية قوة مسلحة قوية لازالت تنافس على الصدارة العالمية في العدة والعتاد وهناك اتهامات أخرى لهادي مثل موقفه من الاحتجاجات الأخيرة سواء للحراك أو الحوثيين وعدم التعامل معها بحزم مما أدى إلى إثارة النعرات الطائفية والمناطقية والجهوية التي تصب في خدمة مشروعه التآمري لتفكيك اليمن كما أن سياسا هادي الخارجية الغير متوازنة والقطيعة الغير مجدية لطهران في فترات سابقة والارتماء في أحضانها في الوقت الحالي على حساب المصالح القومية كل هذا ساهم في إحداث انهيار وشيك لما تبقى من الدولة, حيث أدت تلك السياسة إلى جعل اليمن بؤرة للصراعات الإقليمية وتصفية للخصومات السياسية بين أقطاب الصراع في المنطقة, أضف إلى هذا كثرة المواجهات مع القاعدة دون الحسم والقضاء على الإرهاب نهائياً, كل هذا كلف الخزينة العامة أموالاً طائلة.
إلى جانب التغاضي عن القاعدة المتواجدة في المناطق الشمالية (مأرب ورداع والعدين وأرحب) ولم يدخل معها في حرب مثلما خاض مواجهات عديدة مع القاعدة المتواجدة في المحافظات الجنوبية (أبين وشبوة وحضرموت) كل هذه العوامل والأسباب التي أدت إلى ما لا يدع مجالا للشك بأن المشروع الذي يحمله الرئيس هادي -حتى وإن كان بحسن نيه -لا يختلف عن مشروع نظيره السوفيتي.
ومن المفارقات العجيبة أن "غورباتشوف" لم يحكم سوى ثلاث سنوات فقط كرئيس للاتحاد السوفيتي (٨٨-٩١) ورئيسا للحزب الحاكم (٨٥-٩١) ست سنوات وهي نفس الفترة التي قضاها هادي أمينا عاما للمؤتمر (٢٠٠٨-٢٠١٤) ونفس الفترة التي قضاها "غور باتشوف" في الحكم (فبراير٢٠١٢-فبراير ٢٠١٥) وهي ثلاث سنوات إلا إذا كان هناك تمديد لهادي ليكمل مشروعه التفكيكي لليمن..
يونس الحكيم
سياسة البريسترويكا!! 2141