مأرب أسم تعلق التاريخ بأذياله باحثاً عن المعنى الحقيقي للتاريخ في جلابيب المجد السبئي، هناك حيث وشم الحضارة يغطي الجسد المأربي جاعلاً منها عروسة ابديه لا ينتهي عرسها مزينة بذلك النقش الحميري المتحدي لظروف التعرية وتحولات الجغرافيا أن تمحو رسمها.
تلك البقعة الجغرافية الموغلة في بعدي الزمان والمكان حفرت على جبين الدهر اسماً وتاريخاً بعمق آلاف السنين ليبقى عصياً على المحو والاندثار, تاريخاً عصياً على التحريف والكذب لارتباطه بأخبار السماء وأنبيائها، ومحاولات تطويع مأرب لطبيعة غير طبيعتها هو تجديف في شُطآن غضبها غير المأمون عواقب الغرق، حيث إن نقلها من عمقها التاريخي إلى حاضر الأطماع الغبية استفزاز للكائنات البشرية المترعة بأمجاد الأجداد والجدات.
يريدون من مأرب اليوم مغادرة ذاتها وكيانها وعمقها والتسليم لقادمٍ لا يملك من التاريخ إلا بعض خرافات نقشت الأرض التي مروا عليها بأطلال المساجد ودُور القرآن ولوَّنتها بدماء بشر قُتلوا وعلامات الاستفهام لاتزال عالقة دون إجابة لماذا قُتلوا؟! تحت ذرائع ومبررات أسطورية من أساطير ألف ليلة وليلة.
ستأتي المبررات أكلها مادام أن لا قانون يحكم وستجتاح الغوغاء أرض الحضارة غير مكترثين لروعة التاريخ رغم أن إشارة المعبد واضحة أصابع وكف تعطي إشارة للزاحف إليها بالوقوف لاستجلاء الجمال والعودة لقراءة تاريخية من وحي البناء لا الهدم وشحن العقول المفرغة من الفن والحضارة بمادة دسمة من رقي الإنسان المأربي.
يريدون من مأرب اليوم ممثلة بأبنائها أن تنكر ذاتها وتنسلخ من كينونتها الحضارية والتسليم لقادم لا يمتلك أي وثيقة أخلاقية تخوله الدخول هذه الأرض المكنوزة بالتحف الأثرية والذهب الأصفر والأبيض والأسود هذه الثروة اللعنة على أصحاب الأرض والنعيم على اللصوص والمتسلقين والمتسللين، حتى دخان النفط والغاز لا يصل إلى كوريا وفرنسا أو سكان القصور والكهوف بل يصلهم ريعها وخيرها والدخان لأصحاب الأرض في قسمة ضيزى تعكس جشع النفوس التي لا ترى لأهل الحق إلا الفُتات.
الدخول إلى مأرب بعقلية الغازي هو استفزاز للعقلية المأربية للخروج في الجو الثائر لتتشكل معالم ملحمة ترسم في المطارح بين القادمين من أغوار الكهوف والمناظرين من أبناء الصحراء وبين الكهف والصحراء ستسيل دماء كثيرة ضحية الأطماع - من صبيان السياسة - الصغيرة المرهونة في دائرة الأطماع الإقليمية الكبيرة خارج أسوار الوطن الجريح.
أبناء مأرب اليوم خرجوا من انتماءاتهم السياسية ليلتقوا في جذور الأصالة في قالب الهم الواحد معلنين عن مدنيتهم موافقين على القرارات الرئاسية في وضوح فاضح تاركين للقادم خيار ترجمة بنود السلم والشراكة حبراً عبر السياسة والمؤسسات أو حرباً ودماً عبر المليشيا والعصابات.
د. عايش ابو صريمة
مأرب..وصبيان السياسة 1256