كنتُ أشعرُ دائماً وأنا أتجول بين محافظات وطني اليمن أنني أعيش في قصرٍ كبير تتسع شرفاته وتتعدد أفنيته دون قدماي, بينما لا أتوقف عن التنزه فيها وكأنني أميرة بيزنطية.. في هذا الوطن سحر وخرافة، وجمال وعراقة، وبساطة وأناقة.. فبماذا يمكن أن أصف قصراً خرافياً كبيراً أسمه اليمن.. بماذا أصف أرصفته المكتظة بالمارة من كل أطرافه وحواشيه، أولئك الباحثين عن نصيبهم اليومي من رحمةٍ واسعةٍ لله تغشى وطن البسطاء والكرماء والأسخياء الذين لم تنصفهم عروض حكامهم! بماذا يمكن أن أصف قلوب الأمهات اللآتي جعلن من أكُفهن مراجيح ترقد عليها تراتيلهن الراجفة صباح مساء وقد كثر المتربصون حول براعم قلوبهن حسداً وعنفاً وقسوة.
هذا القصر الذي تطل بعض شرفاته على بحر العرب وأخرى على البحر الأحمر وثالثة على باب المندب ورابعة على صحراء الربع الخالي.. الصحراء التي جعلها الذهب الأسود حديقة غنّاء, بينما غرق قصرنا في بحر الفتن وسكنت زواياه الدسائس وأحاطت بأعمدته الرخامية أفاعي السياسة الكاذبة.. هذا القصر الكبير الذي تعلو قبابه وتتسامق مآذنه ليس قصراً من الرمال يجرفها مدُ البحر ويلتهمها جزره بل هو قصر العز الذي ترعرع اليمنيون على بلاطه كملوك وأمراء، ملكات وأميرات رجال ونساء من طرازٍ أصيل، طراز فريد ونادر مثله مثل فضتنا وعقيقنا وفننا الذي تتسابق على اقتنائه دول تعيش شعوبها في أبراج من الزجاج..
هذا القصر الذي جلس على عرشه كثيرون ولم يستطيعوا أن يشيدوا حوله القلاع والحصون لحمايته من الغزاة والمتآمرين في الداخل والخارج، بل إن من هؤلاء من كان سبباً في تكديس البلايا في سراديب القصر الكبير حتى فاحت منها رائحة الموت والخيانة والفزع. ماذا نقول عن قصرٍ عشقنا اللعب في دهاليزه وأفنيته وتحت ظلال أشجاره؟! وكيف نوفيه حقهُ وقد باعد بيننا وبينه أسوارُ لم تبنها أيدينا ولم تنشق أحجارها عن جبالنا الشاهقة؟!.. كيف نصف قصراً عظيماُ جمع شملنا صغاراً وشتتهُ كباراً؟.
ألطاف الأهدل
اليمن قصرنا الكبير 1288