الروحُ أحمدُ والجوارح أحمدُ
والحبُّ بابُ مفازةٍ لا يوصدُ
ما كانَ أحرى أن تبوحَ بلهفةٍ
فالشَّوقُ من بوح الصبابةِ ينفدُ
عُدني ببابِ مدينةٍ قلبي لها
بابٌ تحاشتْ أن تراهُ العُوَّدُ
واغسلْ يقيني باليقينِ وهاتني
بابَ التُّرابِ فطينُ قلبيَ عسجدُ
ريح الأحبَّةِ كم شممتُ صهيلَها
لكنَّ ريحي في الجوانح تزبدُ
اللهُ لي ما عشتُ أغزلُ لهفتي
وأقومُ في أقصى الفؤادِ وأقعدُ
وأقولُ للمعنى حبيبُكَ سيدي
نِعْمَ الحبيبُ ونِعْمَ نِعْمَ السَّيدُ
صلى عليكَ اللهُ ما ضحكَ الضُّحى
للسَّاجعاتِ وما تغنَّى الفرقدُ
* * *
يا سيدي روحي مدارك كُنهها
سكرى وحالي في الذنوب يعربدُ
وأنا مساءُ الوَجْدِ أسكبُ هاجسي
دمعاً وتقصيني الحروفُ الخرَّدُ
أطعمتُ ماءَ الشَّوقِ نارَ صبابتي
والماءُ في نار الصبابةِ يولدُ
فمتى وأجلد للرحيل قصائدي
نال السعادةَ من بِحبِّكَ يُجلَدُ؟
إني -رسولَ اللهِ- ليلٌ موحشٌ
وأنا -رسولَ اللهِ- صبحٌ أسودُ
فَهَبِ المعنَّى ما يرومُ وهاتني
طِينَ البكاءِ فزهرُ أرضيَ أرمدُ
قلبي بِحبِّكَ ما تشطّر قُبلةً
إلاّ وعادَ ببؤبؤيه يُغرِّدُ
صلى عليكَ اللهُ يا من ذكرُهُ
ذكرٌ وطبٌّ للقلوب وموردُ
وعليك صلّى اللهُ ما برق الهوى
ورداً فغنَّى للمحبِّةِ مصلدُ
* * *
اللهُ للِّروح الغريبِ لكم هفا
شوقاً فأبكاهُ الرحيل الأدردُ
ولأنت أفضلُ من يُهامُ بحُبهِ
فلمَ المحبُّ عن الأحبَّةِ يُبعدُ؟
إنِّي أحبُّكَ فوق كُلِّ تصوِّرٍ
واللهُ في عرش المحبَّةِ يشهدُ
وحَّدْتُ قلبي في هواك فجاءني
من كُلِّ أسرارِ السعادةِ هُدهدُ
وطمعتُ منكَ بنظرةٍ فهب المنى
فالدرب قفرٌ والمسافة أبعدُ
صلى عليكَ اللهُ أنَّى أشرقت
شمسٌ وما صلَّى العبادُ ووحَّدوا
وعليكَ صلَّى اللهُ ما غنَّى على
بابِ المسافةِ عاشقوكَ وأوجدوا
* * * *
مولاي يا مولى الوسيلةِ إنَّ لي
قلباً يقومُ مع الحنينِ ويرقدُ
أنَّى أقولُ وأنتَ فوق مداركي
شعراً وقلبي يا حبيبيَ مقعدُ
ولأنتَ أكرمُ مَنْ يُهامُ بذكرهِ
ولأنتَ مِنْ مجدِ الأماجدِ أمجدُ
أعطاك ربي من نضار كمالهِ
نوراً ونور المتقينَ مُخلَّدُ
فسقيتَ أمزانَ الكلام فأورقتْ
دنيا الهيامِ ولاح كونٌ منشدُ
ولأنتَ أعظمُ أن يُحاطَ بوصفهِ
إن المديحَ ببابِ فضلِكَ مُجهَدُ
مولاي في قلبي مدارٌ لم يزل
يأوي إلى كفِّ الدُّموع ويصعدُ
وبداخلي نارٌ مدامعُ بوحِها
جمرٌ تؤجَّجُ في الضُّلوعِ وتُوقدُ
وعلى يدي قلب القصيدة واقفٌ
وأنا على قفر الهزيمة موعدُ
ماذا أُحدِّثُ يا حبيبي أرضُنا
نامتْ وسادتنا الملوكُ الرُّقدُ
وتكالبتْ ريحُ الصَّليبِ ورِيـحُنا
تلوي رقابَ البائسين وتُجهدُ
وبلادُنا أرجوحةٌ حكامُها
أدنى وأحقرُ أن أقولَ وأبلدُ
مولاي هذا القدسُ وا أسفي لقد
أدماه مِن طول الرحيل المشهدُ
قطفت بنو صهيون كَرْمَ هديلهِ
ورثاهُ كُلُّ مؤمركٍ يستأسدُ
إنّا أحطُّ من الحضيض فكن لنا
عِزاً فقد جافى حِمانا السُّؤددُ
يا سيدي روحي التي عصرتْ على
ملِّ المواجعِ ما لدهشتها يدُ
جفَّتْ خُطى نبضي وجئتُ على دمي
أبكي مع المعنى اليتيمِ وأرعدُ
ودماءُ أقصانا الشهيد قِصائدٌ
تنعي أنُاساً للمذلَّةِ سُوِّدوا
بأبي وأمي أنتَ إنِّي مثقلٌ
والمهلكاتُ على طريقيَ رُصَّدُ
أبكي لبغدادَ الجريحةِ جرحَها
والدمعُ من نار الخنوع ملبَّدُ
يا سيدي أرضُ العروبةِ كُلُّها
جرحٌ ودمعٌ نازفٌ ومنكَّدُ
والسَّادةُ الـحُكَّامُ كم صُلبوا على
ما أنفقوهُ على الهوانِ وبدَّدوا
قدَّتْ بنو صهيون ظهرَ عُروشِهم
وهمُ الذين على الخنوعِ توطَّدوا
أنَّى سأروي ما بقلبي سيدي
قلبي محارٌ تزدريهِ الـحُسَّدُ
وأنا الذي هَرِمَ القصيدُ بجوفهِ
طفلاً وقد صَدر الرفاقُ وأوردوا
يا سيدي همسُ القصائدِ خُلَّبٌ
ومقامُ مدحِكَ عن مديحي أزهدُ
كم جئتُ أستبقُ الطريقَ بأحرفي
والطَّفْلُ عن يمِّ المقامةِ يطردُ
لكنَّ قلباً ذابَ من حُرَقِ المنى
حُبَّاً بطفل حروفه يتأودُ
* * * *
الروح أحمدُ والجوارحُ أحمدُ
ومنى الأماني المشرقات محمدُ
هبْ قلبَكَ الظامي حروفاً نبضُها
شوقٌ يُطِل ولهفةٌ وتورُّدُ
واهتفْ بباب المصطفى شرفاً لكم
شَرُفَ الوجودُ بهِ وعزَّ المقصدُ
فالمصطفى نبضُ الحياةِ وسرُّها
نِعْمَ الحبيبُ المصطفى والمرشدُ
فضلٌ ينامُ الفضلُ تحت نعالهِ
ويهيمُ فيهِ ملحدٌ وموحِّدُ
والمصطفى نورُ البريةِ كُلِّها
وبهاؤُها وجمالُـها المتوقِّدُ
والمصطفى سِرُّ الإلهِ بخلقه
في كُلِّ أشرعةِ المداركِ يُوجدُ
شمِلَ الكمالَ فكانَ خيرَ مكمّلٍ
وعلى يديهِ العالمينَ توحَّدوا
يبكي ذنوبَ المذنبينَ جميعَها
خيرُ الأحبَّةِ للأحبَّةِ نُقَّدُ
* * *
اللهُ لي إن جئتُ بابَكَ مادحاً
عونٌ ونصرٌ سيدي ومؤيِّدُ
أنا قاطِعٌ لأرى جنابَك فدفداً
في القلبِ أضناهُ الهيامُ الفدفدُ
والذنبُ يعصرُ أضلعي ويُذيقني
شوكي ويغزلُ ما أخِيْطُ ويجحدُ
يا سيدي لي في الشفاعةِ غايةٌ
والمهلكاتُ لها بقلبيَ مقودُ
أنَّى اتجهتُ أصبتُ ذنباً مُخزياً
أنَّى رجعتُ يذودُ قلبي الذُّودُ
سرِّي ذنوبٌ لا يُحاطُ بحجمها
وأنا بليلِ الذنبِ ذنبٌ مفردُ
كم عشتُ أسلخُ بالنقاءِ مظاهري
وسرائري في الَّلا نقاءِ تُجَنَّدُ
لكِنَّ لي في الله ظنَّ مؤمِّلٍ
ظنُّ المقصِّرِ بالكريم مخلَّدُ
يا سيدي إنَّ الجمالَ مفازةٌ
لكنَّ قوماً في هواك تفردَّوا
والعمرُ أشبهُ ما يكونُ برحلةٍ
وبِكم نَشِيدُ رجاءنا ونُشيِّدُ
* * *
يا لائمي في حبَّ طه هاتني
لوماً فقلبي بالملامةِ يسعدُ
لولا الهوى والحبُّ ما كان الهوى
كلاَّ ولا سَهِرتْ جفونٌ سُهَّدُ
أحببتُ فيهِ محبَّةً طُبِعتْ على
حبي وحبي في هواه مُؤكَّدُ
واللهَ أسألُ أن يبلغَني بهِ
أقصى الأمانيَ يوم يجلى المشهدُ
صلَّى عليكَ اللهُ كُلَّ هنيهةٍ
ما كبرَ كُلُّ العبادِ وشهَّدوا
وعليكَ صلَّى اللهُ قلب مدينةٍ
العارفون لماءِ فيها( ) أوقدوا
* * * *
الروحُ أحمدُ والجوارحُ أحمدُ
والحبُّ من للسَّادراتِ توسَّدوا
قَبِّلْ حبيبَكَ في التُّرابِ وغنّهِ
في الماء، فالماءُ المفردسُ أبردُ
لا تصطحبْ من قال إنَّكَ ميتٌ
فالنَّاس موتى والمنيَّةُ مرصدُ
والعمرُ إما وردةٌ أو شوكةٌ
أو غيمةٌ أو حانةٌ أو مسجدُ
بابُ المحبَّةِ كالوسيلةِ واسعٌ
لا يزدريهِ تنصرٌ وتَـهَوُّدُ
ما كان أحرى أن تبوحَ بلهفةٍ
فالشَّوقُ مِنْ بَوْح الصبابةِ ينفدُ
عدني ببابِ مدينةٍ قلبي لها
بابٌ تحاشتْ أن تراهُ العُوَّدُ
واقصُدْ نهارَ المصطفى مِن قُبَّةٍ
في القلبِ لا تخبو ولا تتفنَّدُ
فالحبُّ في بابِ المحبِّةِ حكمةٌ
والحبُّ في سرِّ المقامِ يُهدهِدُ
صلَّى عليكَ اللهُ ما صلَّى وما
صلُّوا وما ذبحَ الحجيجُ وما هدُوا
وعليكَ صلَّى اللهُ ما مرَّتْ على
كفِّ المشيئةِ هجرةٌ أو مولِدُ
أحمد المعرسي
مقام المثول... 1252