انشغل الشارع اليمني وكذا المقايل خلال اليومين الماضيين بالتسجيلات الهاتفية الخاصة بمكالمات بين الرئيس عبدربه منصور هادي ومدير مكتبه أحمد عوض بن مبارك "المختطف" التي بثتها قناة المسيرة التابعة لجماعة الحوثي المسلحة.. ويبدو أنه في اليوميين القادمين أيضاً سينشغل الشارع اليمني بالتسجيل الخاص بالمكالمة التي بثتها قناة الجزيرة مساء أمس بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح وأحد أعضاء جماعة الحوثي المسلحة.. بغض النظر عن صدقية هذه المكالمة من عدمه وبعيداً عما جاء في المكالمات- التي لا أفضل الخوض في تفاصيلها- قناعتي بأن تسريباتها شغل "...." ولا يمت للعمل السياسي والأخلاقي بشيء وعلى الجميع أن يدرك أن علي عبدالله صالح يمتلك مثل هذه الأشياء الكثير فنحن نتحدث عن نظام حكم مدة 33 سنة بعقلية أمنية.
المهم ما أردت أن أشير إليه هنا أننا كشعب "مبطوح" من السهل جداً أن يتم اشغالنا بفسيفساء الأمور كي لا نهتم بالقضايا الاستراتيجية وكذلك هي نخبنا السياسية العتيقة, نخصص وقتا كبيرا لمناقشة ما جاء في تلك المكالمات وننسى أو نتناسى كيف سلّم الرئيس هادي الدولة لمليشيا الحوثي ابتداءً من دماج, مروراً بعمران ووصولاً إلى صنعاء ودار الرئاسة ومنزله الخاص أيضاً دون أن يتخذ طوال الفترة الماضية قراراً رادعا ضد هذه المليشيات, ثم يخرج علينا ويقول "إحنا تجنبنا إراقة الدماء".. في حين الواقع يؤكد عكس ذلك, فعدد الضحايا من مدنيين وعسكريين الذين سقطوا في عهد هادي- وهي مدة بسيطة جداً- تعد أضعافاً مضاعفة من سقطوا في عهد صالح إذا ما أخذنا مدة حكم الأخير في الاعتبار.
لست هنا بصدد الدفاع عن الرئيس السابق أو جلد الرئيس الحالي بقدر ما أنا أتحدث عن واقع نعيشه اليوم ونشهد فيه انهيار جميع مؤسسات الدولة الشكلية أو ما تبقى من الدولة.. ومن سيقول إن هادي لم يستلم إلا العلم فقط فعليه أن يجيب عن تساؤل لماذا بقي 3 سنوات في سدة الحكم وحرص على أن يظل في كرسي الرئاسة 5 سنوات قادمة أو أكثر؟! فهل هذا يتم من أجل "سواد عيون العلم" أم أشياء أخرى مثل المال والسلطة والجاه؟
مليشيا الحوثي تواصل التهام ما تبقى من اسم الدولة بتواطؤ الرئيس هادي وبقية القوى السياسية التي أدمنت الفساد والاستئثار بالسلطة والحوثي يقول إنه يريد محاربة الفساد والاستبداد, ونحن نعرف أن مثل هذا القول ما هو إلا بهتان وزور, فالعقلية السلالية والمذهبية المسيطرة على هذه الحركة هي أكثر خطورة من عقلية التمترس في الحزب السياسي, والتعيينات التي تتم لإرضاء الحوثي هنا أو هناك تثبت مدى عنصرية وسلالية هذه الحركة.
لفت انتباهي اهتمام عدد من وسائل الإعلام بالتسجيل الصوتي لمكالمة- قيل إنها بين صالح وأحد أعضاء حركة الحوثي المسلحة- ورافق هذا الاهتمام استنكار لأي تحالف بين صالح ومليشيا الحوثي بعد أن أصبحت حركة معترفا بها من هادي ومن لف لفه في موفمبيك ولم يستنكر الجميع قبول المكونات الثورية إبان ثورة الشباب في 2011 تواجد مليشيا الحوثي في الساحات في وقت كان نظام صالح والشارع اليمني يسميهم "المتمردين" وكأن لسان حال هؤلاء المستنكرين يقول: بأنه تم استدعاء الحوثي في 2011 والتحالف معه من أجل "يبيعوا تمبل ـ مش علشان إسقاط نظام صالح" وكأنهم يقولون أيضا "حلال علينا حرام على صالح".
أذكر أنه في ثاني جمعة إبان ثورة الشباب كان خطيب الجمعة "يحيى الديلمي", كتبت حينها مقالاً بعنوان "جمعة الساحة خطيب من الجن" انتقدت خلاله تواجد شخص لا زال حبر الحكم عليه بالتآمر والعمالة لم يجف بعد، كخطيب للثوار, وأذكر أني تلقيت انتقادات كثيرة من بعض الزملاء كون ما كتبت يضر بحالة الانسجام الثوري خاصة أنه في "اخبار اليوم" ودخلنا في جدال عقيم انتهى باحتفاظ كل شخص منهم برأيه وتمسكت برأيي حتى اليوم.
ما يؤلمني ويزيد من وجعي اليوم هو إصرار البعض على إلتماس العذر لنظام هادي وتعليق كل إخفاقات وفشل القوى التي أدارت البلاد بعد ثورة الشباب، على نظام صالح الأمر الذي يزيد من قناعتي أن الكثير من شباب وقوى الثورة لا زال يغالط نفسه ويعتبر الثورة عملاً صالحاً لا يجب انتقاده ومراجعته رغم إدراك الجميع بأن ما وصلنا إليه اليوم يجعلني- كأحد شباب الثورة المستقلين- أعترف بأن خروجنا كان يفترض أن يكون الهدف منه إصلاح الإعوجاج والفساد في نظام صالح وليس إسقاطه لأن كل أهداف الثورة الشبابية نبيلة وحقوقية وكان حينها صالح سيجد نفسه مجبراً على تنفيذها إذا ما لمس جدية في المطالبة بها بعيداً عن الكيد السياسي ومحاولة النخب إزالة حكم فاسد والمجيء بما هو أفسد منه.
*نصيحة:
على جميع من يمتلكون أو حصلوا على تسجيلات لمكالمات مسؤولين سابقين أو حاليين أن يتوقفوا عن بثها وتسريبها لأنها لن تحل أي قضية بقدر ما ستزيد من تعقيد المشهد اليمني من جهة وتزيد من حالة الضغينة بين الخصوم السياسيين ولا تخلق حالة من التوافق والمصالحة التي تتحدث جميع القوى عنها وتعمل عكس ما تدعو إليها كي تثبت لنا جميعاً أنهم مجرد أشخاص يقولون ما لا يفعلون.
كما أنصح من يحاول أن يسجل لنفسه أكثر من متابعة من خلال سعيه لإثبات وجود تحالف بين الحوثيين وصالح فعليه أن يسأل أحد أفراد أو ضباط اللواء الأول حماية رئاسية أو الثالث, لماذا سلمتم معسكراتكم لمليشيا الحوثي؟ سيجيب عليه بالنص وبكل عفوية "مش هم حوثيين" كلهم زملائنا من اللواء 63 والحرس وفي مقدمتهم الضابط المحنك حسن الملصي قائد كتيبة المهمة الخاصة, وهو ممن تم استبعادهم من مواقعهم رغم كفاءتهم لأن ولاءهم ليس لزعطان أو فلتان".
وهنا أجد نفسي مقتنعاً أن العمل بعقلية تسريب المكالمات ينم عن الحالة التآمرية المرضية التي تسيطر على نفسية أصحاب تلك التسريبات وحرب المكالمات.
إبراهيم مجاهد
حرب المكالمات 3094