لا تبتعد حكايتنا في اليمن عن عموم حكايتنا مع ربيع العرب. الربيع الذي التقت على إجهاضه أنظمة الثورة المضادة من جهة، وإيران من جهة أخرى. الأولى تحت شعارات نبذ الفتنة، والثانية تحت شعارات «الثورة والمقاومة والممانعة، والموت لإسرائيل والموت لأميركا»، رغم أن الأخيرتين وقفتا ضد ربيع العرب، وهما كانا وسيبقيان ضد أن تستعيد الشعوب قرارها المسروق، لأن ذلك سيهدد مصالحهما.
الذين طاردوا الثورة في مصر، هم أنفسهم من طاردوا الثورة في اليمن، وهم أنفسهم الذين جعلوا أولويتهم هي ربيع العرب وما يسمى الإسلام السياسي السني. هم صاغوا مبادرة أبقت سرطان الفاسد المخلوع يعبث بجسد اليمن، وتركت حزبه رقما صعبا في المعادلة. والخلاصة أنهم التفوا على الثورة ليجهضوها، فليس من المعقول أن يقدم الجار الفقير نموذجا في الثورة والتحرر، وليس مسموحا أن يتمرد الجار الفقير على فقره وفساد نظامه، فيقدم نموذجا في النزاهة والتنمية أيضا.
وفيما كان أنصار الثورة يعيشون حالة من التيه، ويحاولون لملمة الموقف، حيث اختاروا التدرج في تحقيق أهدافها في سياق من التعاطي الواقعي برأيهم مع شروط الجوار والمجتمع الدولي، جاءت إيران لتدفع بالحوثيين إلى لعبة لا تجهض الثورة بالكامل، بل تلقي بالبلد في أتون حرب طويلة، وهذه المرة لحسابات إقليمية، إذ تعتقد طهران أن بوسعها الضغط على الخليج كي يغير موقفه من سوريا من خلال اليمن.
حركة الحوثي ليست نابعة لا من احتياجات أتباعها، ولا من احتياجات اليمن للتغيير، إنها نابعة من حاجة إيران إلى لعبة جديدة تضغط من خلالها على السعودية والخليج من أجل تغيير المعطيات في سوريا، وحيث تعتقد أن مشروعها بات مهددا في سوريا التي سيعني نجاح ثورتها تغيرا ما في العراق ولبنان أيضا.
في سوريا، كانت معادلة الاشتباك الأكبر، فلا الذين يزعمون دعم ثورتها كانوا يريدون لثورتها أن تنتصر، لأن انتصارها كان يعني بالضرورة أن برنامج الربيع العربي سيمضي من نجاح إلى نجاح، ولا إيران كان يمكنها التسامح مع نجاح كهذا؛ هي التي تتمتع بنظام طائفي تابع يمثل عمود الإسناد لمشروعها في المنطقة.
على إجهاض ثورة السوريين التقى الشرق والغرب، والعرب والعجم، وكأن كل شيء كان يصب لصالح الكيان الصهيوني الذي حوَّلها (أي سوريا) إلى ثقب أسود يستنزف الجميع. ومع الضغط على إيران في سوريا، ذهبت تقايض من خلال اليمن، فدفعت بالحوثي إلى خطوة رعناء يتحالف من خلالها مع المخلوع الذي ثار الشعب ضده، من دون أن يحول ذلك بينها وبين تسمية ما يجري بالثورة؛ في وقاحة منقطعة النظير.
اليوم يقف الشعب اليمني قبالة جماعة سيطروا على أجزاء كبيرة من البلد بالقوة العسكرية، ومن خلال قوة إيران، وتواطؤ الجيش التابع "للمخلوع". في ضوء ذلك، وفي ظل عجز دول الجوار، لن يجد الشعب من سبيل غير المواجهة، إن كان عبر اعتصامات ستبدأ لاحقا، وبدأت عمليا يوم الخميس، لكنها قمعت بالقوة، أم من خلال السلاح الذي حمله بعضهم بالفعل، وهو ما سيؤدي إلى نزيف كبير للحوثيين، ونزيف كبير لإيران التي ستدفع الكلفة أيضا، بينما يصرخ شعبها من آثار العقوبات وانهيار أسعار النفط.
في ضوء ذلك كله، يمكن القول إن الحرب قد بدأت، وهي قد تطول، ولن تنتهي إلا بالصفقة الإقليمية مع إيران حين تقتنع بأن الأقلية لن تعلن الحرب على الأغلبية وتربحها، فكيف وهي أغلبية لها تاريخها العظيم في مقاومة الغزاة؟ وهي أصلا لم تكن ترى نفسها طائفة في يوم من الأيام، بل هي الأمة التي تسع الجميع وتستوعب الجميع.?
العرب القطرية
ياسر الزعاترة
اليمن حيث يوجعنا التخاذل ويقهرنا العدوان 1410