هذه هي المرة الثالثة التي أُضطر فيها لاستخدام العنوان ذاته – ومازالت الثورة مستمرة – فالمرة الأولى كانت عَقِب توقيع الفُرقاء على مبادرة الخليج بينما المرة التالية لم يمضِ عليها سوى أشهرَ وتحديداً في اليوم التالي لسقوط العاصمة صنعاء يوم 21سبتمبر.
كان أحد أصدقائي المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني قد بعث لي برسالة قصيرة عاتبني فيها على وصفي ما حدث باعتباره ثورة شعبية تشبه إلى حدٍ ما ثورة الشباب .
أيا يكن الأمر؛ فالمهم في اعتقادي هو أن اجتياح صنعاء كان نتيجة طبيعية لإخفاق وتعثُّر الحكومة والرئاسة الانتقالية، فلو أن الاثنتين [ الحكومة والرئاسة] قُدِّر لهما التعامل مع المُعطَى الثوري المستجد بشيء من الموضوعية والديناميكية وأيضا الثورية لما وقع ما وقع.
وإذا كان الحوثي وأتباعه قد حققوا اختراقا مكَّنهم من إسقاط الحكومة ، ومن فرض أجندتهم في مرحلة تالية على الحكومة والرئاسة ، وعلى شركاء وفُرقاء اللحظة الراهنة بما سُمِّي بتوقيع اتفاق السلم والشراكة ؛ فإن الحوثي وأنصاره وبعد أربعة أشهر يضعون أنفسهم في مواجهة ضروسة وعارمة مع غالبية اليمنيين الرافضين لهيمنة الحوثيين ولانقلابهم المسلح على ما بقي من توافقات وطنية ومن مشروعية سياسية يعوَّل عليها لإتمام مرحلة الانتقال.
نعم بضعة أشهر فقط كانت كفيلة بإماطة الغشاوة لدى الكثير ممَّن رأوا في شعارات وخُطب الحركة الحوثية ملهما ومنقذاً وإذا بالممارسة الواقعية تكشف لهم الحقيقة المُرَّة التي أغفلوها أو أهملوها.
قلنا مراراً وتكراراً باننا إزاء ثورات مجتمعية مستمرة إلى أن تُحقق مبتغاها في الدولة الحديثة القائمة على العدالة والشراكة والحرية والمواطنة المتساوية ،فدون تحقُّق هذه الاشياء يستحيل الحديث عن أوطان مستقرة مزدهرة.
المشكلة الأساسية كامنة في البدائل الموضوعة ، فالحال أن بدائلنا السياسية لا ترتقي مطلقا إلى مصاف الحالة الانتقالية ، فما من سلطة انتقالية يمكن الاعتداد بها كاستثناء غير أنموذج تونس الذي يُحسَب له نسبياً تخطِّي عثرات الانتقال السياسي في العراق واليمن ومصر وليبيا.
لقد حذَّرنا من ثورة شعبية على الحكومة والرئاسة ، كما وتوقعنا بثورة على ثورة الحوثي وأتباعه وأنصاره ومؤيديه ؛ وها نحن الآن نؤكد بأن الثورة ستظل مستمرة ما بقيت مسبباتها قائمة ومفتوحة دونما حل أو معالجة جادة وصحيحة.
المسألة لا تتعلق بحوثية أو أخوان أو قاعدة أو نظام قديم أو سواهم من العناوين المتصدرة للمشهد ، بل يمكن القول بأنها نتاج لخللٍ سياسي وتاريخي وبنيوي يتعلق بماهية الدولة والرضى المجتمعي بالحُكم.
الواقع أن هنالك هُوَّة ما بين تطلُّعات المجتمع وبين النُّخَب السياسية والحزبية والدينية التي للأسف مازال فعلها متخلفاً ورجعياً ومستبداً. فثورتنا بهذه السوأة والعُقم الذي جعلها غير قادرة على إيجاد تناغم بين حيوية الثائرين وأحلامهم وتطلُّعاتهم وبين سقم النخب الحزبية والسياسية والعسكرية والايديولوجية التي أثبتت فشلها وإخفاقها.
ولأن هذه النخب الحاملة لهذه الاحلام والتطلعات فشلت في ردم الهوة القائمة بين ما كان سائداً وبين ما ينبغي أن يسود ؛ فإن هذه الثورة لم ولن تتوقف على المدى القريب ، فسواءً وصل إلى السلطة أتباع المخلوع أو أنصار الحوثي أو معارضيهم فالثورة هنا لن تتوقف وستظل إلى أن يتم فهم واستيعاب محركها ومن ثم تجسيد قِيَمها ومبادئها.
محمد علي محسن
ومازالت الثورة مستمرة !! 1472