في مثل هذا اليوم سرت روح الحرية في كيان فتية صدقوا ما عاهدوا الله عليه..!
وهبت رياح التغيير على ربوع اليمن, وتقاطر الأحرار من كل بقاع الأرض الطيبة؛ لينظموا عقدا للمجد طوقوا به عنق تاريخ اليمن الحديث, وإكليلا للفخار زينوا به هام الوطن..!
وازدحمت الساحات بأطياف الفئات المتباينة, بأهدافها, وتوجهاتها, وأيدلوجياتها..!
وقف الكل كبنيان مرصوص أمام المستبد, وهتفوا بصوت واحد, وبعبارات موحدة "ارحل" وانتظم الجميع في مسيرات, تتابع عليها لون من الزخم الفريد, وسواد من وجع, ومآس اقتسموها كما كانوا يقتسمون بقايا طعام, كانت تجود به نفوس المؤازرين لهم من كرماء هذا الوطن..!
ومضت الأيام, ومرت عليهم الشهور الحبالى بمحن عديدة, ولكنهم صمدوا رغم كل شيء..!
ألهبت ظهورهم سياط الشمس المحرقة في صيف يتلوه صيف, وقرّحت أقدامهم طرقات رشفت من ريق دمائهم زلال الإباء, وتجعدت وجوه الشباب الغضة, وكلحت جباههم, وشق عطش المسيرات الإقليمية من تعز لصنعاء حلوقهم, وأدمت المواجهات العنيفة أجسادهم..!
ورحل الكثيرون لعالم الآخرة, وبقيت صورهم وأصواتهم تخفق, وترن كجرس محفز في وجدان الباقين!
عاصر شباب _ ثورة 11فبراير_ أهوالا ًتعجز الأقلام, فضلا عن شهود العيان, عن سردها, أو تسطير كل تفاصيلها, وتضج صفحات الكتب, من قبح إجرام مرتكبيها!
رأيت البعض منهم حين أساله عن محرقة تعز, كيف كانت؟!
يبتلع رعبا يسكن حلقه, ويلوك لسانه ويعجز عن البوح, ويطير شعاع الذكرى المرعبة في أحداقه قلقا يحز القلب, وأنتظر إجابة لوهلة.. ثم أتقهقر من عمق إحساسي بفظاعة ما رأى؛ فأمضي ألملم شتاتا عصف كريح سموم في وجداني, وأتوقف عن السؤال لزمن, وتعود الذكرى, ويرجع السؤال المشنوق على أنشوطة الفضول الباعث على معرفة المزيد من الحقائق!
كيف عشنا بعد كل ذلك, وعدنا لنزور الساحة بعد حرقها؟
كيف امتلكنا القدرة على السير على الطرقات التي فجروا فيها رؤوس الفتية الصادقين يوم الكرامة, وبعدها حدث الكثير, وفي بقاع شتى ما زالت الشوارع تفوح بعطر دماء الشهداء, وتعزف أركانها لحنا حزينا برجع صدى صرخاتهم, يرن في القلوب:
أين التغيير الذي ذهبنا فداء لأجله, أين العهود التي قطعناها معا لبناء يمن جديد؟!
نحن لا نريد ثأرا, ولا نريد تعويضا, ولا نريد حتى العودة للحياة لنحاكم المجرمين, نريد الحلم الذي صغناه معا, فردوسا لغد اليمن الأجمل, والذي لأجله لم نعد هنا, ولم تعودوا تروننا!
كيف لكل هذا أن يتلاشى, وتنتهي الحكاية بإسدال ستار صفيق من الديكتاتورية المغلفة كذبا بإهاب ثورة مزيفة؟!
ثورة يترأسها الحاكم الميليشي, ليصدر فرمانات غاية في الغرابة, ثم يأمر بحصار مؤسسات إعلامية حرة, ويرتضي خطف أصحاب الفكر والقلم, ويمنع المظاهرات المناوئة لفرماناته المعتقة بالفكر المتعصب والمسلك الظلامي, والتوجه ألإمامي البائد..!
لن تسكن لكم روحا, ولن يهنأ لكم عيشا, على أشلاء حلم الشعب, ورفات الشهداء, الذين سرتم يوما ما إلى جوارهم, وهتفتم معهم بشعارات الدولة المدنية, ورفض العصب و الظلم والفساد والقمع والاستبداد..!
ثم ها أنتم ذا, تشنقون مبادئ الثورة التي هتفتم بها لزمن, بحراب أسلحة ميلشياتكم, وتظهرون أمام العالم بصورة مزرية, لن نقبلها وجها لليمن!
ليس الآن يا عبد الملك, ليس بعد كل ما حدث, ليس بعد كل هذه التضحيات ستركعوننا!
لا يمكننا أن نركع؛ فقد تيبست أقدام الثوار على طرقات طلب المجد, الذي تريدون تلويثه بعصبيتكم, وشهوتكم للسلطة والثروة!
عودا لرشدكم وأحيوا روح_ ثورة 11فبراير_ في نفوسكم, وتطهروا من أخطائكم, أو فلترجعوا لكهوفكم التي كنتم تقيدون فيها سيقان جنودكم لمحاربة العدو الذي صرتم حلفا معه ضد ثورة 11فبراير الخالدة , وضد أحلام شعب, أتقن الحلم والتطلع لحياة أفضل, للمرة الأولى بعد سبات في قهر دام عقودا..!
أمريكا التي تصرخون بالموت لها, ترى فيكم الحليف الأفضل لمواجهة القاعدة, ستصبحون شرطيا خاصا لأمريكا, وستحصدون رؤوس الشرفاء تحت هذه الذريعة, ستقتلون شعبكم إرضاءً لأمريكا, سيكون ذلك سواء اعترفتم به آم أنكرتم!!
كفاكم تعمية لعقولكم وأبصاركم, فنحن كلنا نرى الحقائق كما هي, وليس كما تريدوننا أن نراها..!
كنت قبل أن تسلكوا هذه المسالك التسلطية المتعالية والمتطرفة, أتوسم منكم خيرا ,وأعدكم فصيلا مساندا في صف الثورة, وأبكي حلمنا الذي خفت نوره, وأندب روح الثائر التي خبت في نفوس الثوار, واليوم أنا وكل الوطنيين في غاية الامتنان لكم؛ لأنكم بمسلككم هذا أعدتم الحياة من جديد لهذه الروح التي خبت, وبأسرع مما كنت أتوقع؛ فشكرا لكم..!
نبيلة الوليدي
عادت روح 11 فبراير.. !! 1137