في بلداننا العربية مما سيتفق عليه الجميع أننا مجتمعات لا تستحق أن ترقى إلى مصاف الدول المتقدمة أو قل بالأصح الدول التي نهضت في الخمسين السنة الماضية على الرغم من الموارد التي تمتلكها منطقتنا العربية .
صحيح قد تكون هناك دول عربية نهضت نهوضا مشرفا في الجانب العمراني لكن كل ذلك حان على حساب هويتها، فالإمارات اليوم تبني العمارات وتفقد هوية الإمارات جراء استقدام العمالة الأجنبية التي أصبحت تمثل 70% من سكان البلد ودون أن تولي الأمر أدنى اهتمام .
والحق يقال يستثنى من ذلك دولة قطر والنجم الساطع جمهورية مصر العربية التي أصبحت اليوم غير مصر الأمس بفضل قيادتها التي أصبحت تخطو خطوات ثابتة لاستعادة دورها الريادي الذي كانت تضطلع به وتعرف من خلاله .
وعند الحديث عن قطر الدولة الصغيرة بمساحتها لا بد من الإقرار أنها هناك من الخطوات المتقدمة والمسافات المختصرة التي تجاوزتها ما يجعلنا نسلم بضخامة إنجازها في جميع المجالات وعلى كافة المستويات والأصعدة مع محافظتها على هويتها التي لم تنسلخ منها عروبيا وقوميا وإسلاميا، الأمر لذي أزعج أوباما وجعله يخرج عن صمته في عدائه لهذه الدولة التي أصبحت تمثل ثقلا لا يستهان به فقال عندما تم ترشيحها لاستضافة كاس عالم 2012م أنه قرار خاطئ من الفيفا، تصوروا رئيس أعظم دولة يخرج بمثل هذا التصريح في عداء واضح وسافر للدولة التي ذكرها في حديثه.
قد يكون ما سقته لا يمت إلى حديثنا بصلة فيما نحن بصدد التحدث عنه ، إلا إنني سقته لأقرر للمشاهد والقارئ للوضع أن مثل هذه المبادرات التي تقوم بها قطر جعلت منها دولة ذات كيان محترم عالميا الأمر الذي مكنها من أن تكون من اكثر الدول استغلالا لمواردها استغلال أمثل رغم أنها تعتمد في الأساس على الغاز المسال وليس لديها ثروة كتلك الثروة النفطية الهائلة التي يملكها جيرانها وبلدانهم تعج بالفساد من الرأس وحتى اخمص القدم لعل منها المملكة العربية السعودية .
وأعتقد أن قطر ما كان لها أن تتصدر هذا الموقع الريادي لولا سياستها التي من ضمن منهجها أن المال ملكك لكن الموارد ملك المجتمع" شعار وإن لم ترفعه إلا أنها استطاعت من خلال الظلال التي عاشت في كنفها ان تجنب نفسها لعنة الربيع العربي الذي لم ولن يترك طاغوتا إلا وأتى أو سيأتي عليه
الشعار الذي سقناه هو بالأصح شعار رفعته دولة ألمانيا البلد الصناعي. وصاحب أعلى العلامات التجارية مثل بنز، بي أم دبليو، وشركة سيمنز الخ.و يتم ضخ الطاقة بالمفاعل النووي في مدينة صغيرة في هذا البلد.
في بلد كهذا،يتوقع الكثيرون رؤية مواطنيها يعيشون في رغد وحياة فاخرة. على الأقل هذا كان انطباع أحد الزائرين العرب قبل رحلته الدراسية التي كان يزمع الذهاب عبرها لهذه الدولة .
فيقول : عندما وصلت الى هامبورغ، رتب زملائي الموجودين في هامبورغ جلسة ترحيب لي في أحد المطاعم. وعندما دخلنا المطعم، لاحظنا أن كثير من الطاولات كانت فارغة. وكان هناك طاولة صغيرة تواجد عليها زوجين شابين لم يكن أمامهما سوى اثنين من الأطباق وعلبتين من المشروبات. كنت أتساءل إذا كانت هذه الوجبة البسيطة يمكن أن تكون رومانسية، وماذا ستقول الفتاة عن بخل هذا الرجل. وكان هناك عدد قليل من السيدات كبيرات السن.
كنا جياعا، طلب زميلنا الطعام كما طلب المزيد لأننا نشعر بالجوع.. وبما أن المطعم كان هادئا، وصل الطعام سريعاً. لم نقض الكثير من الوقت في تناول الطعام.
عندما غادرنا المكان، كان هناك حوالي ثلث الطعام متبقٍ في الأطباق. لم نكد نصل باب المطعم الاّ وبصوت ينادينا!! لاحظنا السيدات كبيرات السن يتحدثن عنا إلى مالك المطعم!! …. عندما تحدثوا إلينا، فهمنا أنهن يشعرن بالاستياء لإضاعة الكثير من الطعام.! قال زميلي: "لقد دفعنا ثمن الغذاء الذي طلبناه فلماذا تتدخلن فيما لايعنيكن؟" إحدى السيدات نظرت إلينا بغضب شديد. واتجهت نحو الهاتف واستدعت أحدهم.
بعد فترة من الوقت، وصل رجل في زي رسمي قدم نفسه على أنه" ضابط من مؤسسة التأمينات الاجتماعية" وحرر لنا مخالفه بقيمة 50 يورو!.
التزمنا جميعا الصمت. وأخرج زميلي 50 يورو قدمها مع الاعتذار إلى الموظف.
قال الضابط بلهجة حازمة "اطلبوا كمية الطعام التي يمكنكم استهلاكها... المال لك لكن الموارد للمجتمع. وهناك العديد من الآخرين في العالم الذين يواجهون نقص الموارد….. ليس لديك سبب لهدر الموارد "!.
احمرت وجوهنا خجلاً... ولكنا اتفقنا معه.. نحن فعلا بحاجة إلى التفكير في هذا. نحن من بلد ليس غنياً بالموارد ومع ذلك ومن أجل حفظ ماء الوجه نطلب الكثير من الطعام عندما ندعو أحدهم ، وبالتالي يكون هناك الكثير من الطعام المهدور والذي يحتاجه الآخرون. إن هذا الدرس يجب أن نأخذه على محمل الجد لتغيير عاداتنا السيئة.
قام زميلي بتصوير تذكرة المخالفة وأعطى نسخة لكل واحد منا كهدية تذكارية.
جميعنا الصق صورة المخالفة على الحائط لتذكرنا دائماً بأن لا نسرف أبداً.
"فالمال لك، لكن الموارد للمجتمع"
في زيارته الأخيرة لدولة قطر أخبرني شخص بأنه وبينما هو مار في إحد شوارعها قام بعد الانتهاء من أكل إحدى قطع الشوكلاته رمى بغلافها على الأرض بينما قام احد الأطفال من المارة بالتقاطها ووضعها في مكانها الصحيح "الزبالة " يقول هذا الصديق موقف جعلني أحمر كالطماطة من شدة الخجل الذي لحق بي ، موقف وإبدا صغيرا في شكله إلا أنه يحمل مضمونا راقيا وكبيرا يصل من حد ضخامته أن جعل قطر تعقد النية في تفكر باستضافة كاس العلام وفعلا تقدمت ورست عليها الإرادة والعزيمة بأن تستضيفه في 2020م
وما نتحدث عنه يبين لنا حقيقة مفادها كما يقرر الكثير من الخبراء وصنع القرار أن الفرق بين البلدان الفقيرة والغنية لا يعود إلى قدمها في التاريخ ، فمصر والهند يفوق عمرها 2000 عام وهي فقيرة ، أما كندا واستراليا ونيوزيلندا لم تكن موجودة قبل 150 سنة بالرغم من ذلك هي دول متطورة وغنية. ولا يمكن رد فقر او غنى الدول إلى مواردها الطبيعية المتوفرة.
لليابان مساحة محدودة ، 80% من اراضيها عبارة عن جبال غير صالحة للزراعة أو لتربية المواشي ،ولكنها تمثل ثاني اقوى اقتصاد في العالم . فهي عبارة عن مصنع كبير عائم ، يستورد المواد الخام لإنتاج مواد مصنعة يصدرها لكل أقطار العالم.
مثال آخر هو سويسرا فبالرغم من عدم زراعتها للكاكاو إلا أنها تنتج أفضل شوكولا في العالم .
ومساحتها الصغيرة لا تسمح لها بالزراعة أو بتربية المواشي لأكثر من اربعة أشهر في السنة إلا انها تنتج اهم منتجات الحليب وأغزرها في العالم.
إنها بلد صغير ولكن صورة الأمن والنظام والعمل التي تعكسها ، جعلها أقوى خزنة في العالم.
لم يجد المدراء من البلاد الغنية من خلال علاقتهم مع زملائهم من البلدان الفقيرة فروق تميزهم من الناحية العقلية ومن ناحية الإمكانيات عن هؤلاء في البلاد الفقيرة.
اللون والعرق لا تأثير لهما . فالمهاجرون المصنفون كسالى في بلادهم الأصلية هم القوة المنتجة في البلاد الأوربية.
أين يكمن الفرق إذا؟؟
يكمن الفرق في السلوك، المتشكل والمرسخ عبر سنين من التربية والثقافة.
عند تحليل سلوك الناس في الدول المتقدمة نجد أن الغالبية يتبعون المبادئ التالية في حياتهم :
1.الأخلاق كمبدأ اساسي
2.الاستقامة
3.المسؤولية
4.احترام القانون والنظام
5.احترام حقوق باقي المواطنين
6.حب العمل
7.حب الاستثمار والادخار
8.السعي للتفوق والأعمال الخارقة
9.الدقة
في البلدان الفقيرة لا يتبع هذه المبادئ سوى قلة قليلة من الناس في حياتهم اليومية
لسنا فقراء بسبب نقص في الموارد أو بسبب كون الطبيعة قاسية معنا .
نحن فقراء بسبب عيب في السلوك. وبسبب عجزنا للتأقلم مع وتعلم المبادئ الأساسية التي جعلت وأدت إلى تطور المجتمعات وغناها.
مروان المخلافي
مجتمعاتنا بين التقدم والمراوحة 2422