بينما كانت الشمس تطلق تنهداتها الأخيرة في لحظة غروب متعثرة, كانت أطقم الميليشيات الحوثية تصدر ضجيجا مرعبا وهي تقتحم حي الأنصار بأمانة العاصمة، تركت ما بيدي وهرعت إلى النافذة أفتش عن الفريسة القادمة التي ستقع في مخالب هؤلاء المسلحين المدججين بالحقد والكراهية، لم أكن أدرك أنهم قادمون لإخراس صحيفة "أخبار اليوم" التي تقض مضاجعهم، كان لا يساورني الشك أن المؤسسات الإعلامية محصنة من الانتقامات التي ورثناها من ثورة الشباب المشؤمة، غير أني أدركت حينها أن زملائي في صحيفة "أخبار اليوم" في خطر بعد أن رأيت المسلحين يتقافزون من الأطقم ويتجهون صوب مقر الصحيفة وآخرين ينتشرون في الشوارع القريبة وأعينهم تحصي ما تبقى من مارة.
التقطت بعض أنفاسي وشعرت بقدماي تسيران بي نحو مقر الصحيفة.. وهناك رأيت:
المسلحون يتوافدون بشكل مخيف وبسيارات مختلفة، الروائح النتنة تتمدد في المكان لتؤذي أنفاس من تبقى من سكان الحي، الكل يمسك على أنفه ويفر إلى منزله، مكاتب الصحيفة تحولت إلى كهوف بفعل البصاق الذي يقذفه المسلحون على الكراسي وأجهزة الكمبيوتر، حقائب الملابس تغادر منزل الحاضري لتلحق بأهله الذين أصابهم وابلا من الخوف، الشوارع خالية إلا من جند السيد وأبقار العم "صالح"..
توقفت لبعض الوقت اسألني: ترى ما الذي أتى بهذه الكائنات القادمة من العصور الغابرة إلى هنا..؟
لماذا يتم انتهاك وسيلة إعلامية بهذا الشكل الوقح..؟
من أباح لجيوش السيد اقتحام المنازل وإخراج العائلات إلى الشارع..؟
مازالت الأسئلة الصامتة تتسرب في لحظة ذهول لتصنع من المشهد الهوليودي مرايا متكسرة تعكس صورة السيد عبد الملك الحوثي "رَدَ اللهُ عقله.
سمعت أحدهم يتحدث عن ملكية الجنرال/ علي محسن للصحيفة وآخر يتحدث عن الملائكة الذين يقاتلون معهم في غزواتهم إلى غرف نوم خصومهم.
تهالكت أنفاسي وأنا استمع لخطاب السيد عبر أفواه المسلحين فذهبت بعيدا أقتفي ذرات الهواء التي لم تتأثر بوجودهم، غسلت رئتي وعدت أتأمل في الظلام:
لم يعد هنالك ضوء، المسلحون يمنعون التيار الكهربائي الذي كان الحاضري يمده إلى جيرانه ليستنيروا به حين يمنع عنهم "كلفوت" الكهرباء الحكومية، الهمجية تتحكم بالحي وتتمترس في مكاتب الصحفيين وغرف النوم الفارغة إلا من بقايا حزن.
تمنيت حينها أن أقف في وجه السيد لأسأله: أي قانون هذا الذي تمنحه لجندك "المبردقين" كي يستبيحوا ممتلكات الآخرين ويعبثون بها..؟
مالذي تحمله لنا من مشروع ؟
هل حاضرك الهش هو كل مالديك؟
منيف الهلالي
الاحتلال الحوثي لصحيفة أخبار اليوم 1139