في منتصف 2014 وقعت دول الخليج العربي- وعلى وجه الخصوص السعودية- ضحية للعبة مخابراتية دولية في اليمن حينما تغاضت عن سقوط محافظة عمران بيد المليشيات الحوثية بمساندة قوات الحرس الجمهوري الموالي لصالح.. وتعاملت مع الأمر على انه سقوط للقوى القبلية والعسكرية الموالية لحزب الإصلاح- حد إفادة الرئيس هادي- الذي بادر زائرا للسعودية بنفس اليوم لسقوط عمران ليطمئنها أن عمران عادت لسيطرة الدولة.
هذا الخطأ الاستراتيجي للمملكة كان هدفا استراتيجيا لمشروع التخادم الأمريكي الإيراني لتمكين الحوثيين من السيطرة على عمران كمفتاح الدخول إلى العاصمة صنعاء وهو ما حدث بالفعل..
كانت الأحداث المتلاحقة- بعد إحكام الحوثيين السيطرة على صنعاء- أمرا مقلقا لدول الخليج، حيث وجدت نفسها غير قادرة على ممارسة دورها السياسي، بالإضافة إلى الخطر الذي بات يمثله الحوثيين أحد أجندة إيران في اليمن على أمنها القومي والاستراتيجي. كما يمكن القول إن المشكلات التي تناثرت في البيت الخليجي والتي ظهر منها على السطح سحب سفراء السعودية والبحرين والإمارات من دولة قطر جعلها منشغلة في كيفية تطبيع العلاقات فيما بينها وحل مشكلاتها، وجعلها أيضا شبه غائبة وأكثر رخاوة تجاه ما يرتب ويجري في اليمن. توصلت دول الخليج متأخرا إلى تسوية الخلافات والتي على رأسها إعادة السفراء إلى دولة قطر نهاية العام 2014م.
وقادت المملكة العربية السعودية حوارا لتطبيع العلاقات بين قطر ومصر.. فيما كانت اليمن نهاية 2014م تعيش أسوأ حالاته من سيطرة المليشيا الحوثية على مؤسسات الدولة ونهبها للمعسكرات والمعدات الحربية للجيش والقيام بعملية حوثنة واسعة لمؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.. أثمرت تسوية دول الخليج لبعض خلافاتها فيما بينها موقف ثابت يرفض الانقلاب الحوثي وتمسكها بالشرعية والمبادرة الخليجية، وتبنيها لمشروع قرار لمجلس الأمن يفرض عقوبات على الحوثيين ويطالبهم سحب مليشياتهم من العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، كما قامت بسحب سفرائها من صنعاء، ومن ثم إعادتهم للعمل في عدن بعد عودة الرئيس هادي لممارسة مهامه وهذا يدل على عودة الذراع الخليجية لليمن ومؤشر على تبنيها وتصدرها لمهمة إنقاذ اليمن مجددا، العوامل والروابط المشتركة بين الخليج واليمن
تربط اليمن بدول الخليج العربي العديد من الروابط المشتركة والتي منها:
*روابط اجتماعية ذات بعد تاريخي في كون اليمن أصل للقبائل التي انتشرت في في ربوع الجزيرة العربية كقبيلة كندة وغيرها حيث تمثل هذه روابط مشتركة لتعزيز الهوية الاجتماعية الواحدة لدول مجلس التعاون الخليجي واليمن.
*الرابط الثقافي حيث تربط اليمن بالخليج روابط ثقافية اللغة الواحدة والدين الواحد وهو ما يجعل عملية الاندماج الثقافي عملية سهلة وسريعة وتساعد الحفاظ على الهوية .
دعم الخليج لليمن دليل المصير المشترك.
واصلت دول مجلس التعاون الخليجي جهودها في اليمن كدلالة على المصير المشترك، فقد أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية في 14يناير2008م في قمة الدوحة مقترحا مقدما من ملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز يقضي بدعم اقتصاد اليمن في اقتصاديات دول التعاون. وتمثلت هذه الجهود في دعم مشاريع التنمية والبنى التحتية في اليمن حيث عقد مؤتمر المانحين في لندن بشأن هذا الخصوص لتنفيذ المشاريع التنموية التي رصد لها خمسة مليارات دولار. وانصبت الجهود على كيفية استيعاب أموال وتعهدات المانحين، وبسبب الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وسيطرة شبكات النافذين من نظام صالح على أجهزة الدولة، وضعف أجهزة الدولة أيضا لم يتم استيعاب أموال المانحين بأكملها بل تم انجاز تخصيص مبلغ(3)مليارات(819) ألف دولار من إجمالي تعهدات المانحين البالغة(5)مليارات و(300)و(12)ألف دولار وبنسبة تخصيص بلغت %71.9. حيث بلغت تعهدات دول مجلس التعاون الخليجي مليار و600مليون و31الف دولار، و تصدرت المملكة العربية السعودية قائمة التخصيصات, حيث بلغ إجمالي تعهداتها مليار ومائة مليون وواحد وثمانين ألف دولار. واحتلت سلطنة عمان المرتبة الثانية حيث بلغت تعهداتها 100مليون دولار.
كما تعكس الروابط المشتركة والمصير المشترك لليمن ودول مجلس التعاون الخليجي قبول انضمام اليمن إلى بعض المؤسسات التابعة لمجلس التعاون الخليجي.
وهذا يدل دلالة واضحة على عمق المصير المشترك والدور الخليجي في المساهمة في دعم اليمن تنمويا، ولكن فشل النظام السياسي الذي حكم اليمن سابقا ومحاولته تطبيع مسار العلاقة لصالحة في توريث الحكم لعائلته أثر سلبا على منحنى العلاقات بين اليمن ودول التعاون ،حيث عمل على ابتزازها وتهديدها بورقة الإرهاب وهاجس المخاوف الأمنية.
ويعود جذور الدعم الخليجي لليمن إلى الثمانينات فقد عملت كل من الكويت ودولة الإمارات بقيادة الشيخ زايد بن سلطان على إنشاء العديد من البنى التحية والمؤسسية في اليمن كالمدارس والمستشفيات والجامعات والسدود المائية. كما عملت دول التعاون الخليجي على استيعاب العمالة اليمنية حيث تصدرت العمالة اليمنية أعلى نسبة في المملكة العربية السعودي تلتها قطر والبحرين والكويت والإمارات.
وفي 2011م تقدمت المملكة العربية السعودية ومن معها من دول المجلس بالمبادرة الخليجية كتسوية سياسية لنقل السلطة في اليمن بعد ثورة شعبية شهدتها كافة ربوع اليمن.
واعتبر البعض المبادرة الخليجية أنها أنقذت اليمن وجنبته الحرب الأهلية، رغم التفاف البعض عليها في الداخل اليمني ورفض البعض الآخر لها. كما مثلت المملكة العربية السعودية ودولة قطر الحضن الدافئ للحكومات اليمنية لإغاثة وإنقاذ انهيار الدولة اليمنية من أزماتها الاقتصادية المتكررة بفعل السياسات الخاطئة للنظام السابق، ومدت يديها بسخاء لدعم الموازنة العامة للدولة، بالإضافة الى دعم المشاريع التنموية والخيرية.
كيف يمكن للخليج إنقاذ اليمن؟
يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تلعب دورا رئيسا ومحوريا في إنقاذ اليمن من الغرق في شراك المصالح الدولية والإقليمية وأطماع إيران التي باتت تطل برأسها على دول الخليج العربي وتهديدها لمصالحها القومية والإستراتيجية عبر الممرات البحرية وهذا الدور يتمثل بالاتي:
*دعمها للشرعية المتمثلة بالرئيس هادي وعودة المؤسسات من حضن المليشيا الحوثية.. وقد كان موقف دول مجلس التعاون الخليجي واضحا وأعلن مبكرا رفضه للانقلاب الحوثي وأبدى استعداده لكل الإجراءات المتعلقة بذلك ،وتكلل دورها بدعمها للشرعية من خلال فرض عزلة دولية واقتصادية على الانقلاب الحوثي بصنعاء الذي يسانده صالح.
*دعم القوى والمكونات الثورية والقبلية الرافضة للانقلاب الحوثي ومساعدتها في تكوين اكبر تحالف للإسقاط الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة بحيث يصير لهذا التحالف حاضن إقليمي.
*السعي الجاد لإعادة تطبيع العلاقة مع حزب الإصلاح اليمني- أكبر الأحزاب اليمنية- لما له من امتداد تنظيمي وشعبي واسع كجبهة سياسية وشعبية قوية عصية على الانكسار، والقادر الفعلي على مواجهة الانقلاب بشقيه (الحوثي- صالح).على اعتبار أن الصراع الذي يحدث في اليمن له امتداد إقليمي ودولي محوره الخلفي (إيران وروسيا).. وحشد الاحزاب الرافضة للانقلاب تحت قيادته أي الإصلاح.
*دعم استكمال ما تبقى من المبادرة الخليجية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وكذلك دعم ما تضمنه بيان الرئيس هادي في 20فبراير ،كما يمكن للسعودية رعاية الحوار بين القوى السياسية بديلا عن المبعوث الأممي جمال بن عمر كونه فشله الذريع.
أيضاً إن استعادة الدولة اليمنية المخطوفة من قبل مليشيات الحوثي المسلحة ومن ثم إيجاد بيئة آمنة في شتى المجالات وحل كافة المشكلات الأمنية وخاصة ما يسمى بتنظيم القاعدة وعنف الحوثيون والحراك المسلح ملف يجب أن يسيطر على العلاقات اليمنية الخليجية.
فهناك كثير من النقاشات رأت أن أمن واستقرار اليمن يعد عنصراً في امن واستقرار الخليج العربي, بمعنى أن امن واستقرار الخليج مرتبط بأمن واستقرار اليمن.. فإذا كان التنسيق الأمني في الفترة السابقة مقتصراً على تبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب.. فهي تعتبر من الترتيبات اللحظية التي فرضتها حالة الهيمنة الأمريكية على المنطقة.. ومواجهتها بالطريقة السابقة لن يسد الفجوات الأمنية بقدر ما ينتج إطار يتواجد فيه كل ما بشأنه يعكر الأمن والاستقرار, فحينما نناقش البعد الأمني للعلاقات اليمنية الخليجية لابد أن ننوه بأنه لا يتمحور الأمر حول جانب محدد ولكن لابد من توسيع المدركات الأمنية لتتجاوز التنسيق العسكري إلى محددات الأمن الإقليمي في الجزيرة العربية.. ذلك مرتبطاً ارتباطاً وثيق بموقع اليمن وما يمثله من أهمية إستراتيجية ذات أبعاد سياسية واقتصادية وإطلالها المباشر على البحر الأحمر والبحر العربي ومضيق باب المندب..
وما سيمثله هذا الموقع في تعزيز العلاقات اليمنية الخليجية ..وعلى دول الخليج اليوم جعل نفسها وجود في معادلات توازنات القوى في المنطقة التي يريد مشروع التخادم الأمريكي الإيراني جعلها منطقة تحت بؤرة الصراع والتنافس الدولي والإقليمي الذي دائما يحرص على مصالحه, وإعادة رسم المنطقة في الجزيرة العربية بما يتناسب مع المصلحة اليمنية الخليجية .
لهذا فان محددات العلاقات اليمنية الخليجية اليوم يجب ان يشمل الأبعاد التالية:
الموقع الاستراتيجي لليمن والمنطقة
إن الموقع الاستراتيجي لليمن وما يمثله هذا الموقع من مجال حيوي.. فهو يطل على البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي.. حيث يمثل خليج عدن ومضيق باب المندب المدخل الجنوبي للبحر الأحمر أهمية مضاعفة في تامين عبور السفن البحرية الدولية والإقليمية.. وما يمثله خليج عدن من أهمية, حيث يمر منه ويلتقي عنده أهم ثلاثة ممرات مائية بحرية دولية: الأول الخط القادم من الخليج العربي والثاني الخط القادم من شرق وجنوب شرق آسيا.. والخط القادم من شرق أفريقيا وجنوبها إلى البحر الأحمر وتؤثر على حركة الملاحة في البحر الأحمر كأهم ممر مائي شديد الحيوية لحركة النقل البحري وحركة التجارة العالمية يربط من جهة بين جنوب شرق آسيا وجنوب أفريقيا وأوروبا والأمريكيتين من جهة.. كما أن هذه الممرات للملاحة البحرية واقعة أيضا في منطقة شديدة التوتر والصراع والفوضى الأمنية (ابتداء من الصومال وجيبوتي وحتى اريتريا وأثيوبيا) وما يمثله التواجد الأجنبي على سواحل وأراضي هذه الدول القوات الأمريكية المتمركزة في جيبوتي والوجود الصيني الإيراني في الصومال والتواجد الإسرائيلي الأمريكي في اريتريا, مما جعل المنطقة أكثر سخونة.. ويعود التواجد الأجنبي العسكري في هذه الدول بسبب تحولها الى دول فاشلة وغير قادرة على إيجاد نفسها وتأمين المجال الحيوي الذي يحوي العديد من الممرات المائية والملاحية البحرية والتي تمثل الأمن الاستراتيجي للعالم والتي تمر منه الناقلات النفطية واكثر من 15الف سفينة بحرية سنوياً.. ومدخل جنوبي واستراتيجي لحقول النفط العربي..
أحمد الضحياني
هل ينقذ الخليج اليمن.. 1272